هكذا صنعت كندا عيدها

|

حسين يونس

سيُخلد التاريخ هذه الكلمة، سيذكر التاريخ يوماً ما أنَّ مسلمي كندا اضطهدوا في ظل حكومة المحافظين، ستقرأ الأجيال القادمة أنه جاء رئيس وزراء أعاد للكنديين حريتهم وقيمهم السامية، سيذكر التاريخ أنَّ “جاستين ترودو” أعاد للمسلمين كرامتهم ولم يخشى الجهر بذلك!

أود من أعماق قلبي تهنئة الشعب الكندي العظيم بجميع أطيافه وأعراقه، ليس فقط على نتيجة الإنتخابات المبهرة، لكن أيضاً لأنه يعيش نعمة عظيمة في ظل أفضل نظام حكم في العصر الحديث، هذه النعمة إسمها “الديمقراطية”، والتي طالما تمنينا أن نرى لها مثيلاً في بلداننا العربية والإسلامية المقهورة تحت ظل أصنام لا تنكسر ولا تنحسر، فهنيئاً لهم .. فقد استحقوها بجدارة! وهذه نتيجة طبيعية لشعب يحترم نفسه ويحترم بعضه بعضاً حتى في لحظات الإختلاف، فأمطرت عليه السماء أمناً وعدلاً، وصنع لنا عيداً أظلنا جميعاً، والحمدلله رب العالمين.

إنتهت الإنتخابات الفدرالية بنتيجة وافقت جميع التوقعات بانتصار الحزب الليبرالي وزوال حزب المحافظين عن دفة الحكم، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدل على التوافق الكبير بين الكنديين الذين أجمعوا بغالبيتهم على ضرورة التغيير، فظهر لنا جلياً أنَّ هذا لم يكن مطلب الأقليات فحسب كالجالية العربية أو الإسلامية، إنما كان مطلب عموم الشعب الكندي الذي نضج سياسياً وأصبح يراقب عن كثب الأوضاع التي آلت إليها البلاد تحت ظل حكم المحافظين، فاختاروا حماية البلاد وحقوقهم الدستورية، واختاروا توحيد كندا، وهذا شيء عظيم وهدف نبيل.

وقفات مهمة لابد من أن تعيها جاليتنا العربية والإسلامية:

  • استمتع باللحظة .. فالتاريخ يُكتب اليوم!: كم هو رائع أن تحيا آمناً لا تخشى على نفسك من حرية التفكير والتعبير، لا تخشى من عقلك إذا فكَّر أو لسانك إذا عبَّر، فبغض النظر عن الحزب الذي أدليت له بصوتك، استمتع باللحظة التي عشتها وأنت تصل بأمان وحرية إلى صندوق الإنتخاب كي تمارس التجربة الديمقراطية، فمجرد أن تحيا تلك التجربة التى حُرمنا منها في بلدان العالم الثالث هو أمر عظيم بحد ذاته يتمناه الكثيرون ولا يستطيعون إليه سبيلا. ولا شك أنَّ مسلمي كندا اليوم قد زادت ثقتهم بأنفسهم وباتوا قادرين على الإندماج أكثر في المجتمع، فلا تضيع اللحظة واستمتع بها.
  • الكنديون صوتوا إستراتيجياً: على الرغم من أنَّ غالبية الكنديين يميلون إلى الحزب الديمقراطي (NDP) وإلى زعيمه “توماس مولكير”، إلاَّ أنهم لم يصوتوا له خشية إضاعة فرصة التغيير في الوقت التي كانت تشير فيه كل التوقعات إلى الفرصة الكبيرة التي يحظى بها الحزب الليبرالي، فقرروا التضحية بالديمقراطيين في هذه المرحلة للتخلص من حكم المحافظين، وذلك من خلال إتباع منهجية “الإنتخاب الإستراتيجي” – التي دعوتُ إليها جاليتنا العربية والإسلامية – ليسقطوا حكومة المحافظين، وذلك يدل على مدى المسؤولية التي يستشعرها شعب كندا، فانتخابهم كان مسؤولاً بمعنى الكلمة، وقد تبين لنا من نتيجة الإنتخابات بما لا يدع مجالاً للشك، أنَّ الكنديين لو لم يعتمدوا الإنتخاب الإستراتيجي .. لفاز المحافظون مرة أخرى بأغلبية البرلمان.
  • التغيير يحتاج عقوداً: كندا تعيش حالياً تغييراً سياسياً كبيراً، وما نشهده اليوم ما هو إلاَّ المرحلة الأولى من ذلك التغيير، فالتغيير السياسي لا يحدث بين يوم وليلة، إنما يحتاج إلى سنوات وأجيال، وفي اعتقادي أنَّ إنتخابات ٢٠١٩م القادمة قد يكون فيها فرصة أكبر لتصدر الحزب الديمقراطي (NDP) دفة الحكم في كندا، واليوم الحزب الليبرالي هو المركبة التي ستقود هذا التغيير، وعلى المسلمين الإستثمار في ذلك التغيير.
  • الكنديون صوتوا ضد “ستيفن هاربر”: من الجدير بالذكر أنَّ الكنديين لم يصوتوا ضد حزب المحافظين، إنما صوتوا ضد زعيمه “ستيفن هاربر”، وقد تحدثت إلى بعض مؤيدي الحزب الذين أكدوا لي أنهم قد أعطوا أصواتهم هذه المرة للحزب الليبرالي، لأنَّ حزبهم المفضَّل قد تم اختراقه من قِبَل هاربر وجماعته الذين أفسدوا الحزب عن بكرة أبيه، والجميع يشهد بأنَّ هذا الحزب كان يوماً ما محافظاً على قيم كندا ودستورها بما تعني الكلمة.
  • فرِّق بين الإنتخابات الفدرالية والمحلية: عندما أعلنت على حسابي على الفيسبوك إعطاء صوت عائلتي للحزب الليبرالي، وصلتني أسئلة من بعض المتابعين حول مدى موافقتي لسياسة الحزب الليبرالي فيما يخص بعض القضايا كالمنهج الجديد الذي أعلنت عنه حكومة مقاطعة أونتاريو لتعليم الجنس في المدارس الحكومية، القانون الذي أثار ومازال يثير حفيظة الكثير من الأهالي، فكان جوابي لهم أنه لابد من التفريق بين الإنتخابات الفدرالية والإنتخابات المحلية على مستوى المقاطعة، فمسؤوليات الحكومة الفدرالية تتمحور حول إدارة شؤون الدولة الدفاعية (الجيش) والدبلوماسية (وزارة الخارجية) والميزانية (وزارة المالية)، بينما تتمحور مسؤوليات حكومة المقاطعة المحلية في إدارة الشؤون الإجتماعية والتربية والصحة والأمن الخاص بها، فقضية التعليم ليست من مهام الحكومة الفدرالية، إنما هي من مهام الحكومة المحلية، ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أننا في إنتخابات أونتاريو القادمة قد ننتخب إستراتيجياً لإسقاط الحزب الليبرالي محلياً إن لم يُصحح نفسه ونعطي أصواتنا لحزب المحافظين أو الديمقراطيين، هل هذا ممكن؟ نعم ممكن جداً، وهذا من مزايا نظام الحكم الفيدرالي، ولابد من التحلي بشيء من الفطنة والحكمة في الإنتخابات الكندية للحصول على أفضل نتيجة على المستويين الفيدرالي والمحلي.
  • المسؤولية أصبحت أكبر: اليوم باتت مسؤوليتنا أكبر من السابق، فعلى الجالية المسلمة ممارسة مواطنتها بشكل فاعل، فلا ينبغي أن تقف مكتوفة الأيدي مكتفية بدور المراقب منفصلة عن مسرح الأحداث، يجب أن تمارس الجالية دوراً أكثر وضوحاً حتى لا يتم إهمالها لحظة صناعة القرار، فما رأيناه من نتائج وسمعناه من كلمات أثلجت صدورنا كانت نتيجة جهود جبارة قامت بها الجالية، واليوم يجب أن تزداد تلك الجهود حتى نرى تلك الوعود والنوايا الطيبة قد تحولت إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع، فإن لم نُبقي أصواتنا عالية وفاعلة، لن تتحول تلك الكلمات إلى حقيقة في ظل الضغوط السياسية والإقتصادية الكبيرة التي تشهدها كندا، وسينشغل الجميع عنا ونصبح في ذيل قائمة الأولويات.
  • الجالية العربية والإسلامية تحتاج لمفكرين: عندما كتبت مقالي (في كندا أصوات المسلمين فاعلة) الذي أشرت فيه إلى إستراتيجية التصويت، تفاجأت بحجم الإعجاب والتأييد الذي حاز عليه المقال، والسبب في اعتقادي يعود إلى الإفكار التي كتبتها فيه، فأي جالية في العالم تتمنى أن يكون لها مفكرين ومنظرين وقادة أكفَّاء، يهتمون لشأنها ويلملمون شتاتها ويعيدون لها ثقتها، وهذا ما قمت به من خلال شرح القيمة الفعلية لجاليتنا بالمنطق والأرقام، فكان المتابعون يسألونني لمن ندلي بأصواتنا في مناطقنا، أي أنهم يحتاجون إلي التوجيه، وما قمت به كان جهداً فردياً، وكنت أتمنى أن يكون هنالك تنسيق عالي المستوى بين وجهاء الجالية ومراكز أبحاثها ودور عبادتها، حتى يتم توجيه الجالية بشكل عملي ومتماسك.

في الختام، أقول للذين إلتزموا الصمت ولم يُدلوا بأصواتهم .. التجربة أثبتت أنَّ السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة والحقوق تُتنتَزع ولا تُهدى، وأتمنى أن تكون نتيجة هذه الإنتخابات قد أحدثت فرقاً في نظرتكم لأنفسكم ولقيمتكم في كندا.

أضف تعليق