ملكية الأفراد.. صراع الخاسرين

|

حسين يونس

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في دوامة من الصراعات والنزاعات التي لا تنتهي، فالصراعات متعددة مثل الصراع على الموارد والثروات والأراضي والبلدان … إلخ، ولكن من أهم تلك الصراعات هي الصراع على تملك البشر، فيوم خلق الله الأرض تصارع قابيل وهابيل على الزوجة، وتطورت تلك الصراعات لتصبح على الأفراد الذين نحبهم، فالأم تصارع من أجل تملك أولادها، والزوج يصارع من أجل تملك زوجته، والأخت تصارع من أجل تملك أخيها، وصاحب العمل يصارع من أجل تملك موظفيه، وشيخ العشيرة يصارع من أجل تملك عشيرته والسلطان يصارع من أجل تملك مواطنيه، ودول العالم الأول تتصارع فيما بينها على تملك دول العالم الثالث، وهكذا نعيش دوامة من الصراعات اليومية دون كلل أو ملل، والمشكلة أننا بدأنا هذه الصراعات دون دراية واعية لطبيعة النفس البشرية، مما ترتب عليه الدخول في صراعات خاسرة لا رابح فيها، فعندما تصارع الأم زوجة إبنها وتنافسها فيه، تحدث مشكلات كبيرة، فإما أن يخسر الإبن أمه أو زوجته، وإما أن تخسر الأم إبنها أو زوجته، وإما أن تخسر الزوجة زوجها أو والدته، ولم تعِ الأم الكريمة أنَّ لإبنها إحتياجات من زوجته لا تستطيع هي تلبيتها، وبالمقابل لم تعِ الزوجة المصونة أيضاً أنَّ للزوج إحتياجات من والدته لم ولن يتسنى لها توفيرها، فمادام لا يستطيع أحد أن يحل مكان أحد … لماذا تحدث كل تلك المشكلات والتي ليس لها آخر؟ ما السبب يا ترى؟

لعلك عزيزي القارئ تعلم السبب … إنه الجهل … الجهل الأكيد ولا عجب، ولعله في بعض الأحيان يكون حباً غير متزن يتخلله جهل، فلو أدرك كل منا طبيعة الإنسان البشرية وقدرتها على التعامل مع هذه الإرتباطات المختلفة، ومكان الشخص في هذه العلاقة ومحله من الإعراب، لهدأت النفوس واطمأنت السرائر، ولشُحذت الطاقات والعقول فيما هو أهم وأفضل، فقد خلق الله نفسية الإنسان مختلفة ومتشعبة، فلو أخذنا الرجل كمثال وحلَّلنا شخصيته بعمق أكبر لوجدنا أنَّ شخصياته الداخلية منقسمة بين الأم والأب والأخ والأخت والزوجة والأبناء والبنات والأصدقاء والأعداء … إلخ، فالإنقسام المقصود هنا، أنَّ هذه النفس البشرية العظيمة قادرة على التعامل والتعاطي مع كل هذه الإختلافات على حداً دون الحاجة لأن تتداخل فيما بينها أو يحدث صدام، وهذا من عظيم خلق الله وإعجازه في تركيبة هذه النفس، فيأخذ الرجل حاجته من أمه ويعطيها حاجتها وكذلك باقي الأطراف الأخرى.

إذاً متى يحدث الخلل؟ عندما تمنع الأم الإبن من أن يأخذ حاجته الفطرية من زوجته، هنا يحدث الخلل المخالف للفطرة البشرية، فهنالك حنان مختلف تعطيه الزوجة لا تعطيه الأم وهو مكمل لحنان الأم، وأيضاً عندما تحاول الزوجة أن تمنع الرجل من أن يأخذ حاجته من أمه، أو من أقرانه من الرجال كالأصدقاء وغيرهم. فالأم لا تستطيع أن تلبي كل هذه الإحتياجات … بل من المستحيل أن يحصل ذلك، كذلك الزوجة لا تستطيع أن تحل محل الأم في حنانها وعطاءها.

لاحظ عزيزي القارئ ماذا يحدث عادة عندما تحرم الأم طفلها من قضاء الوقت الكافي مع أصحابه، سينمو الطفل في نفسية غير سوية، فعندما يكبر غالباً ما يكون لديه رغبة قوية في البقاء لأكثر وقت مع أصحابه، ولو حرمت الأم طفلها من حنانها، سيبحث الولد عن هذا الحنان الناقص خارج المنزل، بل ربما يكون شديد الإلتصاق بخالاته وأمهات أصحابه أو زوجته أو أمها … بمعنى آخر سيكون شديد الإلتصاق بالأنثى، كذلك الأب الذي لا يمد طفله بالأبوة، سيخرج الإبن بعيداً ليلتصق بأخواله وآباء أصدقاءه، وربما تسوء المسألة لتصل إلى الشذوذ، هذه معادلات كونية سنَّها الله في الدنيا ولن تجد لها تبديلا، فلماذا إذاً لا نريح أنفسنا ونتمتع برؤية أبناءنا وبناتنا وهم يلهون مع أصحابهم وأزواجهم؟ لماذا لا نتركهم يتمتعون بالغرائز النفسية والجسدية كما أرادها الله؟ لماذا نسبق الأحداث ونحكم على من حولنا بشح العطاء في مرحلة مبكرة؟

لنعطي الرجل الوقت حتى نحكم عليه بالتقصير، فعلى سبيل المثال عندما يتزوج الرجل، يكون هنالك جزء متعطش جداً في شخصيته للزوجة والذرية، وقد يحتاج الرجل أو حتى المرأة من يوم إقترانهم إلى عام كامل لإعادة التوازن النفسي إلى حياتهم على صعيد العلاقات، فلا نحكم عليهم بالإعدام بمجرد إنشغالهم عنَّا شهراً أو أكثر.

إرفقوا بأنفسكم وبمن حولكم، ولا تكونوا أول العاصين لله، هذه نفس خلقها الحكيم واستودعها في أجسادنا، وعلينا أن نقبلها ونتعامل مع قوانينها كما أرادها سبحانه، فالعلم نور، وعلوم النفس من أولى العلوم التي يجب على الإنسان إدراكها، لا أقول تخصص بها … ولكن على الأقل كن مدركاً لها، فأنت المستفيد الأول.

من ناحية أخرى على صعيد التوازن الإجتماعي، يحدث الخلل وتنشب المشكلات بين الأطراف الأخرى عندما يفقد الرجل التوازن في حياته ويميل إلى طرف على حساب طرف آخر، فهو لم يعِ أنه هو المتضرر الأول دون أن يشعر، ولم يدرك أنَّ جزءاً مهماً من نفسه قد فقد غذاءه. فعندما يهتم الرجل بجانب الأم والزوجة والأولاد ويُهمل الجانب الإجتماعي كالأصدقاء، فسرعان ما ينفر ويمل من جو الأسرة ويتثاقل منه وهو لا يعي السبب، فيبدأ بلوم الحياة الزوجية ويتهمها بأنها سجن والزوجة هي السجَّان، كل ذلك يحدث عندما ينعدم التوازن، فلو كانت له لقاءات إجتماعيه منتظمة ومتوازنة إلى جانب اللقاءات الأسرية، ستنتظم الحالة النفسية وتعتدل بعيداً عن الرتابة والملل، كذلك الزوجة، يجب عليها أن تخرج من إطار الجو الأسري وتنشئ صداقات متوازنة تلبي إحتياجاتها من هذا الجانب.

ما هي الرسالة التي أود إيصالها؟

لا تحزني أيتها الأم العزيزة، فزوجة إبنك لن تستطيع إعطاءه ما خصَّك الله به، كذلك الزوجة … لا تحزني ولا تقلقي عندما تكثر زيارات الإبن لأمه أو أخواته أو أصدقاءه، فلن يقدروا إعطاءه أبداً ما أنت مؤهلة له، فليسترح كل منَّا وليخمد سيفه في غمده وليطمئن، فقد قسم الله أرزاق النفس بعدله وجعل لها موازين وحقوق لا يمكن المساس بها.

ملاحظة: هذا المقال فكرته شاركت فيها الأخت الكريمة « هويدا يونس »، فلها مني جزيل الشكر.

 

6 رأي حول “ملكية الأفراد.. صراع الخاسرين”

  1. رداً على تعليق ريم حسن : أنا أعتقد يا ريم أنَّ هذا العلم يجب أن يكون ضمن المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، للأسف المناهج العربية لا تعير القضايا الإجتماعية أي إهتمام.

    رداً على تعليق لؤي علي : أسوأ شيء أخي لؤي أن نتعامل مع أمور حياتنا على أنها بديهية، أنا نفسي أقع في هذا الخطأ في أغلب الأحيان وألوم من حولي أنهم لا يعلمون الكثير من الأمور، فيتحرجوا من السؤال والإستفسار، لابد من أن نعطي المجال لمن حولنا للسؤال عن كل شيء … حتى وإن كانت هذه الأمور بديهية بالنسبة لنا.

    رداً على تعليق خوله : أختي الكريمة خولة، مرحباً بك صديقة جديدة، وأشكرك على مرورك وتعليقك.

    رداً على تعليق روان : أختي الكريمة روان، مرحباً بك صديقة جديدة، وأشكرك على مرورك وتعليقك، وأتمنى في المقال القادم سيكون حتماً لديك ما تضيفيه.

    رداً على تعليق Mac Tech : أخي الكريم، مرحباً بك صديقاً جديداً، وأشد على يديك بأن تبدأ بنشر وتعليم من حولك ما تقرأه هنا في الموقع من كتابات، ولك مني جزيل الشكر.

    رد
  2. موضوع قيم أخي الكريم
    وفعلا كما ذكرت قد قسم الله
    الرزاق ولو وعى كل شخص دوره
    في الحياة لما حدثت مثل هذه الصراعات
    ولكنه الجهل وحب التملك

    بارك الله فيك

    رد
  3. لقد مر كل منا بمثل هذه المواقف ووقفنا موقف المدافع مع أن ذنبا لم يقترف. انها معادلة وعلى جميع الأطراف في هذه المعادلة أن يقوم بدوره على أكمل وجه من غير أي أنانية وبحسن النية في التعامل. أشكرك أخي حسين على هذا المقال حيث أنه يلفت الأنظار لأمر قد يعتقد البعض أنه بديهي ولكن كم من أسر كانت ضحية اهماله.

    رد
  4. صحيح أخي..

    للعلم دور كبير في فهم الأمور وحسن التعامل معها، أذكر مجموعة من صديقاتي كانوا يسألون إحدى الداعيات أن تعلمهم أصول الدعوة، فقالت لهم عليكم بالعلم وحسن الخلق!
    لم ترق لهم الإجابة حينها، لأنها كانت فضفاضة، فاستدركت الداعية وقالت: من حرم الأصول، حرم الوصول.. وما فائدتكم بتنفيذ مجموعة من التطبيقات مالم تكن لديكم الأسس العلمية والأخلاقية الراسخة!

    الموقف المذكور في المقال، يذكرني بنقطتين غاية في الأهمية أجدها سبباً في النزاعات العاطفية..
    ١- اهتزاز الثقة بالنفس، والتي تحفز على فهم المواقف العابرة بأنها مؤامرة مقصود منها الحذف من خارطة الحياة العاطفية.
    ٢- سوء التعامل مع هذه المواقف، فمتى لاحظ الرجل وجود مثل هذا النوع من الصراع، فيفترض أن يُطَمْئِن كل الأطراف لمكانتها من قلبه، وأن يتجنب المواقف التي يثير فيها هذا النوع من المشاكل، كأن لا تكون زوجته هي جل همه عندما يكون بحضرة أمه..

    شكراً لك أخي حسين، وشكراً للأخت هويدا يونس ..

    رد

أضف تعليق