اللفتة الأولى:
بينما كنت أقلب قنوات التلفاز يوم السبت الماضي وأنا مسترخٍ على أريكتي محاولاً إيجاد ما يسرني وينعش نفسي، وقعت على حوار هادئ مع المفكر الإسلامي جمال البنا والذي استضافته الإعلامية « فضيلة سويسي » في برنامج مثير للجدل على قناة أبوظبي الفضائية، وانتهزت الفرصة لأستمع إليه دون تشويش، والذي طالما إسترعى إنتباهي بشخصيته النادرة وفتاويه المثيرة للجدل وأفكاره الغير مألوفة والغريبة في بعض النواحي العقدية. طبعاً لمن لا يعرف الرجل، فهو الشقيق الأصغر للإمام « حسن البنا » مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
الحوار كان هادئاً لأنه من طرف واحد، فلم يكن هنالك أي مكان للصراخ من قِـبَـل ند كما يحدث في برامج فضائية أخرى، حيث لا يتم التوصل إلى فائدة تذكر، وهذا ما حدث معي بينما كنت أشاهد البرنامج، فقد تفاجأت كثيراً بفكره ولمست نواح إيجابية عكس ما يُشاع عنه في الإنترنت، وهذا ما أطالب به العرب عموماً والمسلمين منهم خصوصاً، أن لا يُصدروا أحكامهم على الأفراد من خلال آراء غيرهم حتى ولو كانوا من فئة العلماء والدعاة.
بالطبع أنا لا أوافقه على فتاويه الفقهية الشاذة مثل: ( التدخين لا يفطر الصائم، والحجاب ليس فرضاً، وتبادل القبل بين الرجل والمرأة الأجنبية لا بأس به ) … بالتأكيد لا يجوز لنا أن نقبل هذا كله، فالحلال بين والحرام بين والأصل إتباع الإجماع الصحيح وليس الشاذ، ولكن رغم كل ذلك فقد رأيت أنه كان محقاً في كثير من الأمور الشرعية، مثل ضرورة الإستفادة من المرأة بدلاً من تعطيلها في البيت، وإشراكها في شتى مجالات الحياة والتي تستلزم لمسة أنثوية إضافة إلى الذكورية حتى تكتمل، ففي عالمنا العربي كل شيء يُصاغ للذكر فقط ولا يصلح للأنثى الإستفادة منه.
ما أردت إيصاله هنا، أنَّ الحكمة ضالة المؤمن كما يقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، ونحن « العرب الجدد » شديدوا التعلق بالأفكار الغربية النيرة ومنفتحين على الرأي الآخر حتى ولو كان كافراً، فمنا من يقول مثلاً في حق ستيفن كوفي: ( بقي له أن يقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله حتى يدخل الجنة )، إشارة إلى أفعاله الحميدة وأفكاره النيرة في خدمة البشرية، وهذا يعني أنه يحتاج إلى 100% ليدخل الجنة، بينما العربي المنحرف نجرمه وندخله النار ولعله لا يحتاج إلاَّ لـ 30% ليدخل الجنة، مفارقة عجيبة لا أفهمها، نثني على الكافر لأنَّ أفكاره مفيدة رغم أنه يشتم الله بنصرانيته، ونكفر العربي لأنَّ له بعض الأفكار الشاذة رغم إعترافه بوحدانية الله ورسالة رسوله وأنه الخاتم. مادمنا عرب جدد أصحاب فكر صحوي، لماذا إذاً لا نخلع وثنيتنا الفكرية ونستفيد من إيجابيات الكوادر العربية حتى وإن زلّو في بعض أمورهم، تماماً كما نستفيد من الغرب؟ لماذا كل شيء غربي مقبول وكل شيء عربي مرفوض؟ الرجل يحمل الكثير من الأفكار النيرة على الصعيد الإجتماعي كما يدعو إلى الحرية الفكرية، لا سيما وأنه يدعي أنه يملك الدليل والبرهان.
أنا أقول، لعل إنحراف بعض آراءه يعود إلى الكبت العربي وهيمنة الوثنية الفكرية الدينية والتي تختصر سعة الإسلام في رأي واحد فقط ولا تسمح بغيره، والذي ولَّد لديه حالة من المقاومة العنيدة، فلو تم ترك المجال له ومحاورته بهدوء، أنا متأكد من أنَّ الرجل سيهتدي، وهذا بالضبط ما حدث مع الذين أسلموا في الفترة المدنية بعد الهجرة من مكة.
اللفتة الثانية:
قرأت يوم الأحد الماضي مقالة في جريدة الرياض للكاتبة السعودية « شريفة الشملان » بعنوان تصدقون!! والتي تستغرب فيه التحول الكبير الذي طرأ على فكر العلماء والدعاة، وكيف أنهم أصبحوا أصحاب نكتة ويستمعون إلى الغناء ويقبلون الإختلاف ولا يكفرون أحداً.
شعرت بضرورة الوقوف عند هذه اللفتة، فسبحان الله كيف كان رجل الدين يأمرنا بأمور هو نفسه تغيرت نظرته لها بعد فترة من الزمان، فعلى سبيل المثال، كان العلماء والدعاة يحاربون بشدة الألعاب الإلكترونية ( Playstation ) لأنها مضيعة للوقت وتظهر الكثير من العقائد الباطلة، واليوم أصبح أطفالهم أنفسهم يلهون بتلك الألعاب، وعندما تطلب الإستفهام مستغرباً، يردون بضرورة الرفق بالأطفال وأنَّ الترفيه مهم لمثل أعمارهم، سبحان الله العظيم!
يا علماء يا أفاضل، بإتباعي لكم ولآرائكم عطلت أجمل لحظات حياتي وحرمت نفسي من الكثير من المباحات التي أحلها الله بحجة سد الذرائع … النظرية التي أصبح لا يأبه لها أحد! وهذه دعوة إلى جموع المسلمين إلى أن يفهموا دينهم ولا يكتفوا بتناقله وتحصيله عن طريق أصحاب الدين فقط، فجهلكم أيها المسلمون أدى إلى تكوين هالة القداسة والعصمة لعلماء المسلمين، فإن كنا نحن أهل السنة والجماعة دائمي الإنتقاد للشيعة الإثنا عشرية لأنها تقدس الأئمة الإثنى عشر، فأقول أننا أصبحنا ننافسهم بهذا الإنحراف الأعمى بسبب جهلنا.
اللفتة الثالثة:
تقوم قناة العربية الفضائية هذه الأيام بتغطية خاصة عن العرب في كندا والذي يبلغ عددهم ما يقارب المليون ونصف عربي مهاجر، ولفت نظري في إحدى التغطيات ما نقله مراسل العربية من أنَّ هؤلاء المليون ونصف عربي لم يصل منهم إلى مقاعد البرلمان الكندي سوى نائب واحد فقط وهي النائبة ماريّا موراني من أصل لبناني، في الوقت الذي احتل عشرة نواب يهود مقاعد البرلمان الكندي، ولكن بقي لك أن تعرف عزيزي القارئ أنَّ الجالية اليهودية في كندا لا يزيد عددها عن مئتي ألف يهودي كندي فقط … يمكنك أن تلاحظ الفرق! ليس في العدد فقط … ولكن في الأهداف أيضاً، فالإحصاءات العالمية أوضحت وبجلاء الطريق المنحدر الذي يسلكه العرب في حياتهم والذي يعكس طبيعة أهدافهم المتدنية مقارنة مع القمم التي يتجه إليها غيرهم، كما لفت نظري أيضاً كلمة أحد أقدم المهاجرين العرب وهو من أصل فلسطيني يقول فيها: ( أنَّ العرب في كندا ناجحون كأفراد … ولكنهم فاشلون كجماعات ).
الوقفة الثانية استوقفتني كثيراً..
لأنه بناء على تقديس الدعاة فيما مضى، حصل تغير كبير في المجتمع..
فمن الناس من تمرد على الدين وأصبح ينادي بالبعد عن الدين وأهله!
ومنهم من تمرد على الأسلوب، فظهر ما يسمونه بالدعاة الجدد..
ومنهم من فجع بالتغيرات فزاد تشدده وتعنته..
وما كان هذا ليحدث لولا أننا كأفراد اكتفينا بما وجدنا ولم نبحث عن الحق!!
نعم، للمجتمع وللتربية تأثير.. لكننا في كثير من الأحيان كنا نحن من يختار الأسهل، وهو الاتباع المطلق..
وأنا لا أدعو إلى نبذ الاتباع أبداً، إنما أدعو لأن يكون العقل والفطنة – وليس الهوى – حاضرين عندما تتبع! حتى لا نفعل – وبالأصح حتى لا نستمر – فيما يقع فيه الشيعة الاثني عشرية ومن شابههم..
كانت لفتات ذكية بقدر ما هي عفوية.. فشكراً لك أخي..
( أنَّ العرب في كندا ناجحون كأفراد … ولكنهم فاشلون كجماعات ).
فعلاً ..
وأنا أرى أن العرب عموما لديهم مشكلة في تبنى العمل الجماعي والنجاح كمجموعة ..
رداً على تعليق لؤي علي
الأولى
في حقيقة الأمر الوضع ليس كما تفضلت به أبداً، الإعلام لا يهمه سوى جني النقود … وهناك فرق كبير بين جني المال وضر الإسلام!
لاشك أنَّ الماء النقي 100% أفضل بكثير من الماء الذي يشوبه الصدأ، وأن أعتقد أنه لا يوجد حالياً ماءاً نقياً أبداً. أنا شخصياً مللت من العيش في ظل نظرية المؤامرة والتي عزلتني عن الدنيا كلها … ولم أعد أرغب في الدخول في نوايا الناس .. فلان أنه صهيوني … وفلان أنه عدو للإسلام … هذا لا يأتي بخير وهو مخالف للنهج النبوي الشريف.
الحرية … مطلبنا الأول الحرية لكي تقوم لنا قائمة، أتركوا الناس تتكلم وتتحدث ولا تحجِّروا واسعاً، فالرجل من أهل السنة والجماعة ولم يختلف معنا عقائدياً، ولكننا أمة لا تحتمل الإختلاف، هكذا تربينا … لا نقبل أي رأياً آخر يخالفنا، رحم الله السلف ما أرقى آرائهم وتعاملاتهم.
الثانية
أود التنويه لنقطة مهمة هنا، أنا لا أتطرق إلى النواحي الدينية، فأنا لست رجل دين وهذا ليس تخصصي، ولكني أتطرق إلى النواحية الإنسانية والتعاملات الإجتماعية والتي إعتراها الخلل فأصبحت دين ودستور، فالمنهج السائد حالياً فقط إقصاء وتخطيء وتكفير المخالف حتى وإن اتفق معنا عقائدياً، هل هكذا كان المنهج النبوي؟ أبداً … فالمنهج النبوي أثبت جدارته في إحتواء الآخر وأخرج أفذاذاً حكموا العالم، وما نعانيه اليوم هو وبكل بساطة منهج علماء القرن العشرين الذين إختصروا الدين في شخصية العالم ورأيه وأهانوا النساء وأخرجوا المخربين في الأرض … هناك فرق … وفرق كبير!
الثالثة
لنا في تركيا أسوة حسنة من الوصول إلى البرلمان وسدة الحكم، قل لي بالله عليك من أعاد الحجاب في تركيا إلى الحياة والجامعات وأماكن العمل؟ … العاكفون في المساجد أم العاملون في الميادين؟
نحن العرب لا نحسن خوض المعارك السياسية في كندا أو غيرها، ولكننا نستميت في خوض المعارك على إمامة المساجد وترأس الجماعات الإسلامية وغيرها، كما أننا لا نحسن بناء التحالفات السياسية وصرف الأموال فيها لأننا نعتبرها رشوة، ولكننا نحسن شراء الشهادات الجامعية ودرجات الدكتوراه في غير وجه حق!
هنيئاً لأمتنا!
الأولى
للأسف أن الفضائيات لا تستضيف مثل هذه الشخصيات الا لاثارة البلبلة والجدل وهذا ما يريده المتفرج وينجذب اليه. لماذا لا يأتون بشخصيات لا تفتقد ل30% كي يعلمونا أمور ديننا؟ هناك الكثير من الشيوخ الأفاضل بآرائهم المتزنة ولكنهم لا يحلمون بيوم أن يظهروا في الفضائيات لأنهم لا يجذبون المتفرج مثل ذوي الأفكار الشاذة والمنحرفة. هل شحت علينا أمتنا الغالية بعلماء أفاضل فنضطر لاستضافة هؤلاء, أم نستضيفهم لأنها سينما وهذا ما يبيع. أنا واثق أن أفكاره النيرة يحملها علماء أجلاء ولكنهم مغضوب عليهم ولن يعطوا أبدا مثل فرصة جمال. أقصد أن أقول أنه لو كان هدف فضائياتنا خير, لاستفدنا من ابداعات الرجل, ولوجدنا من يرد على انحرافاته وبهذا تكون الحرية المنشودة والفائدة تعم.
الثانية
بلا شك أن شيوخنا لهم أفضال كثيرة ويأتي على عاتقنا مسؤولية البحث والتعلم ولكن أحيانا لابد للانسان أن يخوض في أبحار عديدة حتى يرسي به الموج على شاطئ الأمان. في هذا التخبط, قد يتعلم السباحة وفد يكتشف أشياء جديدة وكلها تؤدي به أن يتحسن كانسان وباذن الله يعتدل بعد أن جرب وتعلم واكتشف الطريق القويم. “اختصارات النجاح” هنا تلعب دورا اذا أراد الله به خيرا وأرشده الى الناصح السليم.
الثالثة
لا ننسى أخي حسين العقبات التي يواجهها المهاجر العربي الى كندا من اختلاف الثقافات والمعتقدات والدين. الأمور أسهل بكثير على من لا دين له أن يصل ويحقق انجازات ولكن على حساب ماذا؟ أنا أتمنى أن أرى جماعات وأشخاص يصلون الى أماكن قيادية في الحكومة الكندية ولكن الطريق طويل ووعر وبحاجة الى حنكة سياسية. المؤسف أنهم عندما يجدون أننا نتخذ خطوات الى الأمام, يظهر حقد بعضهم ويبدأ بالتحذير من “الزحف الاسلامي”. هناك حرية نعم, ولكن ليس بسذاجة فهم “لم يحكمواالعالم صدفة”.