فالنتاين عندهم.. قرود عندنا

|

حسين يونس

عندما قررت أن أهاجر إلى الغرب، لم تكن هذه الهجرة هي تجربتي الأولى مع المجتمع الأعجمي الغير مسلم، فلي تجربة سابقة مع عجم أوروبا الشرقية، وكنت قد تعلمت من هجرتي السابقة أني أنا الغريب الدخيل عليهم .. وليسوا هم الغرباء والدُخلاء عليّ، الأمر الذي أدى بي إلى إدراك حقيقة إجتماعية مهمة جداً فحواها (المجتمعات المنسجمة تنفر من كل ما هو غريب). فعلى سبيل المثال، عندما تأتي أنت وزوجتك المحجبة في إجازة صيفية إلى دولة مثل كندا وتجد النساء والرجال متعرِّين في شوارعها وطرقاتها .. فلا تتضايق إذا نظروا إليكم بقرف واشمئزاز !! لأنكم بلباسكم المحتشم قد عكَّرتم صفو اللوحة الفنية التي رسموها لمجتمعهم وثقافتهم المتجانسة، طبعاً هذه بلادهم وهذا حقهم، وهذه ثقافتهم التي تربوا عليها وهم سعيدين بها، وأنتم من جئت إليهم سائحين في عقر دارهم وليسوا هم من جاؤوا إليكم .. فلا تحزنوا إذا ما نظروا إليكم بشيء من الشفقة مصحوبة بنوع من القرف والاحتقار (أعذروني على جرأتي.. ولكنها الحقيقة).

بالمقابل، نفس السيناريو سيحدث إذا ما جاءت عائلة أعجمية مُتعرِّية إلى بلد عربي مُحافظ، فسيتم احتقارهم والاشمئزاز منهم واستباحة نسائهم، لأن ثقافة المجتمع العربي – مع الأسف – مبنية على قذف واستباحة كل أنثى غريبة مُتعرية.. وهكذا، وكلٌ له حق في بلده وثقافته وإن لم يوافق الصواب.. هكذا تسير الحياة.

الشاهد، أنَّ ما يَصلح للأعجمي ليس بالضرورة أن يصلح للعربي.. خصوصاً إذا كان مسلماً، فعندما يحتفل العجم بعيد (الفالنتاين – Valentine) – القديس عندهم – أو ما يُسمى بـ (عيد الحب)، فهذا شيء يناسبهم ويناسب مجتمعهم لأنه نابع من ثقافتهم، كما سيظهر بحلة طبيعية وجميلة عندهم، لأنه ببساطة يُوافق مُعتقداتهم وتقاليدهم وليس دخيلاً عليهم، فكل شيء دخيل.. يظهر قبيحاً.

لكن عندما يقوم العرب والمسلمون بالاحتفال بهذا العيد ( مع إحترامي للجميع ) يظهرون بمظهر القرود، ولا ترى في المشهد أي جمال أو حب على الإطلاق، لأنه مشهد غريب مُصطنع.. ليس من نسيج ثقافتنا الإجتماعية العربية الشرقية ولا يَمت لديننا ومعتقدنا بأي صلة على الإطلاق، و”الحاج” فالنتين بالنسبة لنا لم يكن نبياً ولا رسولاً ولا صَحَابياً ولا تَابعِّياً ولا عالماً ولا داعياً ولا فقيهاً.. ولا حتى أستاذ مدرسة.

لأُقرب لك المشهد – القبيح – قليلاً .. تخيل معي منظر العجم وهم يتبادلون القبلات الحميمية في أحد مقاهي الشانزليزيه وسط العاصمة الفرنسية باريس، تخيل إنسجام المشهد من بشر ومكان وبنيان ولباس .. ثقافة مُتكاملة ومقبولة عندهم وقد تبدو جميلة للبعض، لكن تخيل لو استبدلنا هؤلاء العجم برجل وإمرأة من العرب ليتبادلوا القبلات في نفس المكان؟ تخيل كيف سينقلب المنظر إلى قبيح .. لماذا؟ لأنه منظر مُصطنع دخيل على ثقافتهم وغير مُتقن ولا مُتوافق مع المنظومة التي اخترعته، كيف برأيك سيكون منظهر هؤلاء العرب؟ أحسنت .. قرود.

تَذكَّر عندما رأيت أعجمي في بلاد العرب يحاول أن يُجاري ثقافتنا ويلبس لباسنا ويرقص بالسيف وينطق العربية .. ماذا قلت عنه في نفسك وقتها؟ مُهرج.. يا له من قرد أبله.

تقليد المجتمعات الأعجمية ليس أمراً مفتوحاً على مصرعيه لكل من أراد ذلك، وأيضاً لا مانع من استيراد ما هو نافع لمجتمعاتنا العربية من أخلاق المعاملات والإلتزام بالنظام وإحترام البشر بشتى أنواعهم وأصنافهم.. حتى وإن خالفناهم وكرهناهم في قلوبنا، ولكن من المهم جداً عدم الإنغماس في ثقافة تجعل منك قرداً قبيحاً.. والمشكلة أنك ستظهر بملامح قرد عربي.. وليس غربي.

أنا أفهم تماماً أنه من العبث ثَني الشباب العربي عن الثقافة الغربية التي سادت العالم وأصبح لا مفر منها، لكن تذكر كلما أعمتَك حضارتهم عن التفكير، وزلَّت بك نفسك إلى دائرتهم.. تذكر منظرك وأنت قرد بينهم.. تذكر أنهم لن يرضوا عنك.. لا اليوم ولا غداً ولا في أي وقت.. حتى وإن انسلخت عن جلدك وعِرقك ودينك وأهلك.. ستبقى في أعينهم أنت أنت.. على نفس الطينة التي خلقك منها ربك، ستبقى عربياً غريباً تائهاً في المنطقة الرمادية من مجتمعهم لا يَقبل بك أحد، فأولى بك أن تحترم نفسك وتنأى بها عن هذا الإحراج – الأخلاقي – الكبير.

رحم الله من بقى منا عربياً

دمتم بخير.

5 رأي حول “فالنتاين عندهم.. قرود عندنا”

  1. اعجبني المقال كثيرا من اول العنوان حتى التعليقات. و اعتقد ان التجربة الشخصيه اصقلت وجهه نظرك، فمشهد الشانزليزيه معبر جدا و لن يفهمه الا من عاش مزدوج الهويه و الثقافه. اهنئك على الصراحة في نقل وجهه نظرك دون رياء.

    رد
  2. لك جزيل الشكر..، أعجبني ذكائك الواضح في مقدمة المقال. جميل أن تجعل القارئ يتخيل ويعيش الدور، وأنا اقرأ المقال كنت اتخيل الآثار والشوارع الفرنسية وطبيعة تلك الحضارة وفي ذات الوقت استدعى عقلي صور الانسجام التام بين الشوارع والجو والمطر وصور النساء الشقراوت! فعلا كان هناك انسجام تام، لكن – الله يهديك- حينما استبدلتهم بعرب وبزي عربي عجزت عن تخيلها…، الأجمل أن مثل هذه المقالات تجعنا نرى مواضيع الحب والكره من منظور أوسع !

    رد
  3. افهم من كلامك السابق ان بين الانسجام مع المجتمع الغربي وبين التقليد الاعمى شعره. هل لك ان توضح لنا كيف يمكن للمهاجر الحفاظ عليها؟

    رد
    • الغالبية العظمى من المهاجرين لا يفقهون فكرة الإنسجام في المجتمع الغربي، فهم إما مُنسلخين تماماً عن دينهم وثقافتهم (التقليد الأعمى) وينتهي بهم الحال للإندراج تحت من أسميهم بـ (المسلمين الكاثوليك)، أو أنهم يرفضون كل شيء في المجتمع الغربي بخيره وشره، وهذه الفئة أفضل من الفئة السابقة لأنها حافظت على إسلامها، لكنها أيضاً ليست الحالة المُثلى وتُعاني من الكثير من الصعوبات في هذه البلاد.

      مثال على الإندماج الصحي والسليم في المجتمع الغربي من دون الإنغماس في التقليد الأعمي:
      منذ يومين كنت في غداء عمل في مطعم صيني لا يُقدم لحماً حلالاً، وعندما جاء دوري لأطلب الطعام أمام كل زمالائي الكنديين، طلبت طعاماً يحتوي على الأسماك والخضار، فسألوني الكنديين لماذا لا آكل لحم الدجاج والبقر؟ فشرحت لهم أننا نحن المسلمون لا نأكل إلاَّ لحماً حلالاً، ويُشترط لحليِّة اللحم أن يكون مذبوجاً بسكين المسلمين أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى. ففهموا وأحترموا خصوصيتي، وإندمجنا جميعاً نأكل ما نشتهي على طاولة واحدة من دون أي مشكلة. بينما زميلتي المسلمة والتي كانت تجلس بجانبي أجابت أنها تأكل اللحم الغير حلال، فكانت هي النموذج المخالف تماماً.

      نموذج آخر، في إحدا أعياد الكريسمس النصرانية، سألتني زميلتي الكندية إن كنت سأشتري شجرة عيد الميلاد وأضعها في بيتي لأحتفل مع أسرتي، فأجبتها أننا نحن المسلمون لنا أعيادنا ولا نحتفل بأعياد غير المسلمين .. كما أنكم أنتم الكنديون لا تحتفلون بأعياد المسلمين، مع العلم أننا نتمنى لكم كل الخير في أعيادكم، فقالت لي أنها تعلم عائلات مسلمة تحتفل بالكريسمس، فقلت لها .. هم أحرار، لكن أنا أفهم ديني جيداً وأعتقد أن ما يقومون به يُخالف عقيدة الإسلام، وأني لم أهاجر إلى كندا كي أغيِّر ديني.

      فبين الإندماج والتقليد الأعمى شعرة دقيقة يجب أن تحذر منها، والتقليد دائماً يعتمد على الأفكار التي تحملها في رأسك، فإن كنت ترى أن العرب متخلفين تماماً وبالكلية .. وأن الغرب متحضرين تماماً وبالكلية .. فأؤكد لك أنك ستنساق خلف التقليد الأعمى للغرب دون أن تشعر.

      أما إن كنت تحترم نفسك وعِرقك العربي ودينك الإسلامي، وتراجع كل شيء قبل أن تقوم به .. وتعرض هذه الأمور على كتاب الله لترى إن كان يجوز لك أن تقوم بهذا الأمر أم لا، فسيمكنك أن تندمج في المجتمع الغربي إندماجاً صحياً دون أن تنزلق خلف مجتمع (حضاري) وهمي ليس له وجود على هذه الأرض!

      رد

أضف تعليق