عندما كنت أحيا في الشرق قبل الهجرة إلى كندا، كنت أستمع إلى الكثيرين مِمَن ينوون الهجرة مثلي عن الأسباب الحقيقة التي دفعتهم لاختيار كندا وجهةً لهم، والجواب العام كان حول الإستقرار والمستقبل الأفضل لهم ولذويهم، وكلها نوايا طيبة ومشروعة، ولكن عندما كان الحوار يتفرع لتفاصيل تلك النوايا، كنت أتفاجأ بالتوقعات العالية جداً التي كانوا يحملونها في عقولهم عن مفاهيم كندية غير دقيقة، فإذا سألت: (ماذا يعني مستقبل أفضل لأولادك؟)، أجابك: (تعليم أفضل ومجاني)، وإذا سألت: (ماذا يعني الإستقرار؟)، أجابك: (مواطنة، خدمات صحية، راتب تقاعدي لكل مواطن، إلخ).
وهناك نوع آخر لم ينل الهجرة واكتفى بإنجاب طفله على أرض كندا لينال ذلك الطفل الجنسية الكندية مباشرة، فإذا سألت: (لماذا أنفقت كل تلك الأموال لتذهب بزوجتك لتنجب طفلكم في كندا؟)، أجاب: (حتى أتمكن من الدخول إلى كندا والبقاء فيها متى شئت)، والكثير الكثير من الأمثلة التي تحلم بغد أفضل.
بالتأكيد كل تلك الخدمات موجودة في كندا، ولكنها ليست جميعها على نفس الوتيرة، كما أنها ليست متوفرة للجميع، وإذا توفرت تكون ضمن شروط مغايرة تماماً لشروط البلدان العربية، أهم تلك المفاهيم:
- التعليم مجَّاني: بعد الجنسية الكندية، يُعتبر هذا الأمر من أهم الأسباب التي تدفع العربي للهجرة إلى كندا، تأمين تعليم أولاده إضافة إلى جودة التعليم في كندا عموماً سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي، إضافة إلى أنه بالمجان خصوصاً التعليم الجامعي. لن أتطرق لقضية جودة التعليم، لأنَّ المدرسي منه متدهور ويحتاج إلى مقال منفصل، فهو ليس بتلك الجودة التي يعتقدها معظم الناس، ولكن سأركز على فكرة مجَّانية التعليم، ففي الحقيقة التعليم في كندا مجاني فقط في المرحلة المدرسية من الصف التمهيدي إلى الصف الثاني عشر، لكن الدراسة الجامعية في كندا ليست كذلك، حتى وإن أصبحت مواطناً كندياً فلن تحصل على تعليم جامعي مجاني، وتخصصات كالطب والهندسة تحتاج إلى الكثير من المال لأنها باهظة التكاليف جداً.
- يمكن العيش على المعونات الإجتماعية: كما ذكرت في كتاباتي السابقة، كندا ليست جمعية خيرية همَّها نشر الخير وتوزيع المعونات على شعبها والعالم من دون مقابل، بل هي دولة تبحث عن مصلحتها كما يبحث صاحب التجارة عن الربح، فكثيرون يتفاجؤون عند وصولهم إلى كندا أن المعونات الإجتماعية لا تكفي العائلة الواحدة، فالكثير من العائلات كانت تعتقد بأنه يمكنها العيش على المعونة الإجتماعية، ولكن الحقيقة أنَّ ذلك سيؤدي إلى إنهيار جودة حياتك ومكانتك الإجتماعية وزوال كرامتك الشخصية. الدولة الكندية لديها وجهة نظر إزاء تقليل المساعدات وحصرها، وهو دفع المواطن للبحث عن عمل وإلاَّ لبقي في بيته ينتظر معونة الدولة طيلة حياته، فتلك المعونة لن تكفي مستلزمات الحياة كلها، فعندما يقبض الكندي المحتاج معونته الإجتماعية لا يدري أيأكل منها أم يدفع أجرة المنزل؟
- راتب تقاعدي لكل مواطن: الراتب التقاعدي في كندا مبني على مساهمة المواطن في صندوقه التقاعدي خلال فترة عطائه الوظيفي ومساهمته فيه من خلال الإقتطاعات الشهرية لراتبه والتي تعتمد على نسبة مئوية تحسبها الدولة بناءاً على دخل الفرد، وكلما زادت مدة خدمته كلما حظيَّ براتب تقاعدي أكبر ومدة أطول، فمن عمل لمدة ٣٠ عام سيكون بطبيعة الحال راتبه التقاعدي أكثر ممن عمل فقط ١٠ سنوات، فالأول قد يصل راتبه التقاعدي إلى ٢٥٠٠ دولار شهرياً، بينما الثاني قد لا يتعدى الـ ٣٠٠ دولار فقط، أما ذلك الذي جاء إلى كندا ولم يعمل قط وبقي يعتاش على المعونات الإجتماعية طيلة حياته فليس له أي راتب تقاعدي على الإطلاق، لكن يمكنه المواصلة في الحصول على تلك المعونة حتى الممات، وبالمناسبة الراتب التقاعدي يخضع لضريبة الدخل، كما أنَّ المعونات الشهرية هي الأخرى تعتبر دخلاً شهرياً ويتم حسم الضريبة منها، إضافة إلى أنَّ ذلك الراتب التقاعدي لا يستمر مدى الحياة كما هو الحال في الوطن العربي، فهو يعتمد على المبلغ الذي استطعت إدخاره في صندوقك التقاعدي خلال فترة خدمتك، الأمر الذي يدفع بمَن طال عمره إلى الذهاب للبحث عن عمل بسبب إنتهاء مدخراته التقاعدية، وذلك يُفسر سبب عمل الكثير من الطاعنين في السن في المقاهي والمولات والمحلات التجارية من أجل توفير المأوى ولقمة العيش.
- كندا مأوى لكل محتاج: كنت في الشرق أستمع لبعض النساء اللاتي تعرضن لعنف أسري، أنهن يرغبن باللجوء إلى السفارة الكندية كي يحصلن علـى حق اللجوء في كندا، وطبعاً كل تلك الطلبات كانت ترفض، فليس كل من احتاج إلى اللجوء في العالم يمكنه القدوم إلى كندا، وإلاَّ … لامتلأت كندا بمُحتاجي العالم، والحقيقة أنه لا يتم قبول أياً من تلك الطلبات على الإطلاق.
- لمّ الشمل حق سهل: يعتقد البعض أنه بمجرد حصوله على الجنسية الكندية يمكنه لم شمل أسرته على الفور ومن جميع الأعمار، والحقيقة أنَّ الأمر ليس بتلك السهولة، فبالكاد يمكن للمهاجر أن يستقدم أبويه، الأمر الذي قد يستغرق سنيناً متتالية لإنجازه، أما فيما يخص باقي أفراد الأسرة فهو صعب جداً وليس متوفراً لجميع الكنديين بسبب الشروط الصعبة.
- الطفل الكندي ضمان إقامة لعائلته الغير كندية: طفلك الكندي لن يمكِّنك من دخول كندا أو الإستقرار فيها، وجنسية طفلك الكندية ليس لها قيمة حقيقة إلاَّ عندما يبلغ سن الـ ١٨، بعدها يمكنه أن يقوم بإستقدام والديه إن أراد. ويمكن مشاهدة الفيديو التالي لأم غير كندية تنحب على مفارقة أطفالها الكنديين في مطار تورونتو، لأنَّ الحكومة الكندية لم توافق على منحها حق اللجوء وأمرتها بمغادرة كندا، مما اضطرها إلى ترك أطفالها في كندا مع زوجها الحاصل على الجنسية الكندية: (https://youtu.be/LqmIDWQV5rE).
- الإستثمار سهل في كندا: السوق في كندا مبني على الإحتكار بسبب قلة عدد السكان مقارنة مع الولايات المتحدة، فالإستثمار في كندا صعب جداً ولا يخلو من تحديات تنهي آمال المستثمرين، فالوحيدون الذين يمكنهم الصمود في السوق الكندي هم أولئك المستشمرون الكبار الذين يملكن سيولة مالية كافية لتحدي المنافسين والصبر عليهم.
- نيل الحقوق من غير تعب: القانون في كندا فضفاض ويخضع إلى بيروقراطية مقيتة، ناهيك عن أنَّ ما تراه أنت مهماً وخطيراً ليس بالضرورة أن يكون بالمثل للشرطة، فإذا رأيت سيارة مارقة بسرعة كان يمكنها أن تدهس طفلاً وسط الطريق ولكن الله قدَّر ولطف، لن تقوم الشرطة بمطاردة تلك المركبة مباشرة كما كنت تعتقد أو كما كنت ترى بالأفلام، لأنه حسب فهم الشرطة لا يوجد ضحايا والأمر ليس بالغ الخطورة، والله وحده يعلم متى يمكن أن يتم إتخاذ أي إجراء قانوني ضد تلك المركبة.
- الكنديون جمعيهم أغنياء: قد لا أكون مُبالغاً إن قلت بأن الشعب الكندي من أكثر الشعوب التي تعاني من أزمات الديون، فتلك البيوت الجميلة والمركبات الفارهة لا تعكس أي غنىً على الإطلاق، بل ديون متراكمة وفوائد بنكية متنامية، وقليل مَن يغادر الحياة وهو خالٍ من الديون.
- المهاجرون يحيون بلا مشاكل: هذا المعتقد الذي يحمله مواطنو الشرق في عقولهم عن مهاجري أمريكا الشمالية غير دقيق على الإطلاق، فحتى لو نجح المهاجر مادياً في كندا، فذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنَّ حياته هانئة وهادئة لا تخلو من تحديات إجتماعية غاية في التعقيد، فليس كل ما تراه جميلاً يعتبر هنيئاً، بل قد يكون خلفه الكثير الكثير من القلق والضغوطات فيما يخص الهوية والعقيدة والذرية وإلى آخر ذلك من التحديات التي لا تنتهي.
هذه لفتة مهمة لأكثر المفاهيم الكندية المغلوطة والتي دائماً ما كنت ومازلت أسمعها تتردد من أولئك الذين ينوون الهجرة، وتحصيل الفهم الصحيح مهم جداً لسقف توقعات واقعي يساعد على انتقال ناجح وهادئ إلى كندا.
شكرا جزيلا على المقال استاذ حسين، يا ريت تخصص شرح يوما ما عن نظام التقاعد في كنداز مثلا هناك شخص اخذ الاقامة الكندية في سن ال 55 (لم ياخذ الجنسية بعد) ويعمل في احدى الدول العربية ويريد الاشتراك في نظام التقاعد الكندي وباستطاعته ان يساهم بمبلغ كبير حيث ان راتبه كبير في هذه الدولة العربية. فهل يستطيع الاشتراك وهل هذا مجدي علما انه يخطط لاخذ الاقامة لاحقا؟
مع الشكر الجزيل
كندا تكون جميله للانسان الناجح دو اهداف واضحه عمل بجد وحقق حلمه بثبات , ليس بالضروره ان يكون غنيا واستطاع ادخار الكثير من الاموال , ولكن يعرف قيمة نفسه وامكانياته وعاش في ايطار قناعاته من غير انتقاص او سلب لحقوقه او خوف او قلق من شيء مجهول ووجد ارضا تمنح الفرص للجميع ولكل مجتهد نصيب
شكراً أستاذ حسين على المقال، فمن الضروري جداً توضيح جميع الأوجه لظاهرة ما، وقد أسهب ونغّم وغرّد الكثير من المطبلون في مدح كندا وتضليل الكثير من الناس، ولم يقتصر الأمر على مدح نظام كندا بل صوروا لنا الكنديون وكأنهم أشخاص مثاليون نقيّون صادقون، ومن ملاحظاتي بعد إقامتي القصيرة في كندا، وجدت أن الكذب صفة ملازمة لهم، وباعتباري مهاجر من العمالة الماهرة فإن عملي الماهر كسائق Uber مكنني من معاينة الكثير من هذا الكذب والصفاقة الاجتماعية وحتى الخسّة من خلال ما تلتقطه أذني من أحاديث بين الزبائن. الحقيقة أن كنذا ماهرة جداً في التسويق ومن أهمها تسويق الثقافة الكندية ومفاهيم المجتمع الكندية وكلنا يعلم أن التسويق الجيد لا يعني أبداً أن المنتج جيد، والحكم فقط يكون بعد التجربة الحقيقية.
كندا إمرأة تتقن جيداً فنون المكياج واستغرق مبضع الجراح طويلاً في عمليات التجميل المعقدة، لذا هي تبدو من الخارج جميلة وفاتنة..
في فيلم “أيام الغضب” لنور الشريف تُذكر العبارة التالية :”مصر حلوة أوي من فوق” ولكن عندما ينزل إلى الأرض يرى الشيطان الذي يكمن في التفاصيل..
لذا أستعير عبارة نور الشريف وأقول يــــــــاه دي كندا حلوة أوي من برا..
أخي قصة التقاعد لا بيأخذ يلي عاش 10 سنوات في كندا.
http://www.nationalpost.com/m/there+still+hope+haven+saved+penny/5212859/story.html
للاسف اخ حسين انت انسان متعلم اتمنى انك تذكر ايجابيات الدولة ايضا كل الدول نستطيع العيش فيها وانت حكمت ع الاخت بان ارض الله واسعة فاذهب انت ولا تحكم على من يلتمسون منك علم بسيط وشكرا
انت باين عليك عابز تعيش ف كندا لوحدك مع انها كبيره اوي ياجدع
الأخ الفاضل:
هل هناك اي معلومات تدعو للتفاؤل للبقاء بكندا فأنا بعد قراأتي لمقالتك صحح معلوماتك عن كندا كرهت وجودي فيها ولا اعرف ما الحل البديل، ولدي سؤال ملح شخص بعقليته لماذا هاجر لكندا واستقر بها؟
من المهم أن يدرك الإنسان أنَّ إحتياجات البشر تختلف من شخص إلى آخر وعائلة إلى أخرى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال توحيد تلك الحاجات في رأي واحد، خصوصاً فيما يخص البقاء في كندا.
فإن كرهتي البقاء في كندا … فأرض الله واسعة، وإن كنت سعيدة فيها … فلك خيار البقاء، كندا كأي بلد في العالم فيها الخير والشر، وكل إنسان جيب عليه أن يتبع مصلحته وحاجاته الخاصة وليس مصلحة الآخرين.
كل التوفيق