لعل قدرة التحكم بالمسلمين ومشاعرهم من قِـبَـل غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تجاوزت كل الحدود والتصورات، إذ أنهم يستطيعون العبث بمشاعر المسلمين وإستفزاز حماستهم بإخراج الحشود الهائلة للتظاهر في الشوارع لأيام بل لشهور بمجرد نشر مقال أحمق أو رسمة سخيفة لا تُـنقص من قدر الإسلام ورموزه شيئاً ولا حتى مثقال ذرة.
إن الأعداء يتمتعون بممارسة شذوذهم الفكري والعزف على أوتار الرذيلة الإعلامية لإغاظة المسلمين، حتى أصبحوا يتسابقون على سحب الجمهور الإسلامي إلى الشارع بدون أدنى مشقة، فهل تظاهرنا أثرّ فيهم؟ وهل معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً للرد عليهم وردعهم؟
إستوقفني إستفتاء قامت به قناة الجزيرة على موقعها الإلكتروني قالت فيه:
رداً على الرسوم المسيئة للرسول الكريم هل تؤيد:
-
المقاطعة والتظاهر
-
عدم المقاطعة وعدم التظاهر
إستفتاء غريب لم تَـرُق لي مقترحاته، فقلت: “ألا يوجد مقترح ثالث أعقل وأجدى مثل: المقاطعة وعدم التظاهر؟”، لعل الكثير من العرب والمسلمين يرون في الخروج للتظاهر والتوعد إرهابٌ للأعداء، وهم لا يعلمون أنَّ هذا الهراء لا يهز شعرة في أجسادهم، إنَّ الغرب يستنزفون قوانا بالتظاهرات والصراخ وحرق الأعلام والدمى!
لماذا لا نحسن إعادة وزن معادلة التأثير؟ فمن الأمور والأدوات المتاحة لنا كمسلمين للرد على الأعداء:
-
الرد العسكري – وهو الرد السليم الطبيعي ولكنه غير ممكن حالياً لأنه لا توجد دولة خلافة إسلامية تحمي الدين وتصونه، ولا يستطيع المسلمون القيام بأعمال منفردة عشوائية لأنها أثبتت فشلها وكان المسلمون وحدهم هم الخاسرون.
-
التظاهر – يقول الشاعر: “لو ناديت لأسمعت حياً :: ولكن لا حياة لمن تنادي”، ولنا عبرة في فلسطين والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين، فالتظاهر يُرهق الجسد والروح ويُشتت العقل ويُضعف التركيز ويجعلك تعتقد واهماً أنك فعلت ما عليك وأقصى ما تستطيع لحماية الإسلام… فيرتاح ضميرك، فنحن لسنا في زمن المعتصم بالله نستصرخه وامعتصماه كما حدث في فتح عمورية البيزنطية عندما أُسرت إمرأة مسلمة هاشمية، فانتفض المعتصم بالله الخليفة العباسي كالأسد يُلبي النداء بإرسال الجيوش الكاسرة.
-
التجاهل وعدم الإكتراث – سلاح قوي وحاد في أيدي عقلاء المسلمين، وهو يغيظ الأعداء ويجعلهم في حيرة من أمرهم، وذلك بعدم الإكتراث وعدم التظاهر وتضخيم ما يقولون ويكتبون مثل ما حدث مع الكاتب البريطاني من أصل هندي “سلمان رشدي” الذي تصدر كتابه “آيات شيطانية” أكثر الكتب مبيعاً بعدما أعاره المسلمون إنتباهاً بإباحة دمه، ولو أنهم تركوه وتجاهلوه لما كان له وزن ولا قيمة، وكما حدث أيضاً مع الرسوم المسيئة للرسول الكريم، فلو أن المسلمين تجاهلوها وجندوا المقاطعة الإقتصادية فقط بشكل منظّم، لما تجرأت الصحف الأوربية الأخرى على إعادة نشر الرسوم أسوة بأبقار الدانمرك.
-
المقاطعة الإقتصادية – هي أقوى وأنكى الأسلحة التي يخشاها الأعداء والتي تجعلهم يحسبون للمسلمين ألف حساب، إذ أن قوة الإقتصاد الغربي معتمدة تماماً على قوة الإستهلاك العربي، فلو أننا إستخدمنا فقط سلاح المقاطعة لأثرنا في الأعداء أيّما تأثير، والدراسات الإقتصادية العالمية أثبتت مدى جدوى مقاطعة المسلمين لبضائع الأعداء، فما فائدة تظاهر المسلمين ومن ثم العودة إلى المنزل لتناول زبدة لورباك الدانمركية؟! إذ أنَّ مقاطعة الدانمركيين يجب أن تكون إلى يوم الدين، ولعل ركاكة البضائع العربية لا تُعين المسلمين على الإستمرار في المقاطعة فهي تنقصها الجودة، ولنا في اليابان أسوة حسنة، من قنبلة ذرية ومدن مدمّرة إلى دولة صناعية ذات جودة عالية ونتائج مؤثرة في العالم، بل هم الذين طوّروا علم الجودة، مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر الجودة في الحديث الشريف: (( إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )) صحيح الجامع للألباني 1880.
-
الإعلام – سلاح العصر الفتّاك الذي يصنع أجندة العالم ويُعيد حسابات الدول، هذا السلاح ومع الأسف لا يتقنه المسلمون سوى في الغناء والمجون، فلو إخترنا الرد العسكري أو المقاطعة الإقتصادية كان لابد من دمجها مع سلاح الإعلام لمضاعفة التأثير، إذ أن الإعلام أهم من الهواء في قتنا الحاضر، وهو لا ينحصر فقط في التلفاز والقنوات الفضائية، بل في الراديو والصحف والمجلات والإعلانات ومواقع الإنترنت والمسجات القصيرة… إلخ.
وليس بالضرورة حصر أدوات وأسلحة الرد على الأعداء فقط فيما ذُكر آنفاً، فهي متفاوته بين أفراد وطبقات المجتمع الإسلامي وإمكانياته، ولكن خلاصة المعادلة المذكورة لأفراد المسلمين هي:
التجاهل وعدم الإكتراث + المقاطعة الإقتصادية + الإعلام
فغالباً ما ينوح المسلمون ويلقون باللوم على حكوماتهم بتقصيرها وعدم تجاوبها مع الأحداث، ولكن حقيقة الأمر أن الأفراد لا يَصدقون أنفسهم، فهم مشاركون بالتقصير، وعدم إستشعار المسئولية المباشرة المُلقاة على عاتقهم في هذه الحروب الباردة، فكلٌ منا مسئول ومُطالب بأن يفعل شيء، وكما قال الشاعر: “ولا تَحقرنَّ صغيرةً :: إنَّ الجبالَ من الحصى”.
ما أجمل أن يكون المسلمون متحدون في رؤاهم وأهدافهم وتخطيطهم طويل الأمد، يجب على المسلمين ألاَّ ينجرفوا كالأنعام وراء ما يحيكه الأعداء، فيكون شغلهم الشاغل التظاهر والصراخ، فهذا والله لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع، فيجب على المسلم أن يعي أهمية دوره كفرد، فالفرد المسلم يستطيع بالعلم وقوة التفكير والتخطيط والمثابرة إنجاز المستحيل.