الهجرة حاجة وليست غاية

|

حسين يونس

علمتني الحياة أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض – مهما علا شأنه – يعلم ما يريد إلى أن يُعطى له أو يُسلب منه، خصوصاً في زماننا هذا الذي نقبع فيه تحت تأثير الإعلام بشتى أنواعه من جهة، والمجتمع الذي نعمل على إرضائه من جهة أخرى، حتى أصبحنا نقلد دون أن نعي ما نريده حقاً، فلا ندري قيمة ما نملك إلى أن نخسره، أو قيمة ما يمكن أن نقدم عليه إلى أن يُنجَز لنا.

وقد تغلغل هذا الأمر في أعماقنا إلى أن أصبحنا غير قادرين على اتخاذ قرارات صائبة لا نندم عليها مستقبلاً، فالعواقب التي يمكن أن تترتب على هذه القرارات قد تكون مصيرية، فمصائرنا اليوم أصبحت متشابكة مع مصائر الآخرين بشكل غير اعتيادي، فالقرار الواحد إن كان صائباً قد يرفع عائلة بأكملها إلى سابع سماء، أو يهوي بها إلى القاع إن كان العكس، فمسؤولياتنا كثيرة ومرهقة، والعمل على الوفاء بها بات أشبه بالمهمة المستحيلة.

بالمقابل، دائماً ما كنت ألوم عرب المهجر لأنهم لا يعكسون حقيقة تجاربهم وخبراتهم بشفافية وموضوعية لنتعلم منها، فبالكاد يمكن أن تجد عربياً يمكنه مشاركتك تجربة حقيقية مرَّ بها، وأذكر أني عندما كنت أقيم في العالم الثالث، كثيراً ما كنت أجتمع بأقرباء وأصدقاء مقيمين في أوروبا وأمريكا الشمالية لأستمع إلى تجاربهم لأستفيد منها، وفي كل مرة كان ينتابني شعور في نهاية كل جلسة بأني لست فقط أكره الشرق العربي الذي أعيش فيه بل حتى جلدي العربي الذي يكسو لحمي!

وكأنَّ مهمتهم كانت تتمحور حول تنفير العرب من أوطانهم ودفعهم إلى بغضها بأي ثمن! وعندما شاء القدر أن أطلع على بعض التفاصيل من حياتهم، كنت أشفق عليهم وأتعجب من كمية الصعوبات التي يواجهونها هناك، فالحياة حتى وإن كانت في بلد نظيف وجميل وآمن، لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أنَّ أي إنسان يمكنه النجاح فيه، والمشكلة أنه تم تسويق أمر الهجرة على أنه الحل الوحيد للنجاح، الأمر الذي جعلنا نضع الهجرة في مقام غير مقامها الصحيح، حتى أصبحت غاية نحيا لنيلها وتحقيقها، والحقيقة أنها حاجة يضطر إليها الإنسان إذا ضاقت به السبل، وقتها أرض الله واسعة، وقد تكون الهجرة أفضل من البقاء.

هذا التشويق ووضع الأمور في غير نصابها بات شبيهاً بأولئك الذين جعلوا الجهاد أصل الدين وغايته، والسبيل الوحيد للفوز بجنة المأوى، والله يعلم أنَّ الجهاد لا يتعدى أن يكون وسيلة لحفظ الإسلام وبيضته، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره غاية يجب السعي لتحقيقها.

في بداية حياتي كنت أعتقد بأنَّ اجتهاد الفرد في تطوير حياته وتحسين نفسه بمعزل عن المجتمع، هو الطريق الصائب للحصول على السعادة الدائمة، لكن عندما وصلت إلى تلك المرتبة نوعاً ما، لاحظت أني لم أحظ بتلك السعادة المرجوة، بل على العكس، اكتشفت أنه لا يمكن الحصول على راحة أو استقرار بين مجتمع يئن أهله من ويلات الفشل والمشاكل المالية والأسرية، وفي ظل تلك الظروف يصبح الفوز الفردي بلا معنى وسعادته قصيرة سرعان ما تتلاشى من دون قيمة.

أثر بي هذا الأمر كثيراً وغيَّر من نظرتي للحياة، وأصبحت لدي رغبة قوية لتوعية من حولي بطرق النجاح من خلال نشر خبرتي وبث الأمل على أساس من الواقع، وبدأ هذا الأمر مع الهَبَّة العربية للهجرة إلى كندا، حيث بدأت أتلقى الكثير من الأسئلة حول تجربتي في كندا والحياة فيها، وبما أني أحب الكتابة قررت أن أكتب، وكان نصب عيني حقيقة أنَّ ما يجعل الكاتب عظيماً ليس قدرته على تصوير الخيال، بل جرأته على نقل الواقع.

في مطلع أغسطس الماضي، بدأت بالكتابة عن كندا بانتظام في كل يوم سبت بالتعاون مع «هافينغتون بوست عربي»، وفي الحقيقة لم أتوقع الصدى الكبير الذي لاقته تلك المقالات، فقمت باستهلال سلسلتي عن كندا بالمقال الأول: (دليلك للهجرة إلى كندا … خبرة شخصية) حيث شرحت فيه الهدف من كتابة تلك السلسلة من خلال تجربتي الخاصة والتي قد تختلف عن تجارب الآخرين، فالبشر يختلفون عن بعضهم البعض في معتقداتهم وثقافتهم وقدراتهم الفكرية وأهدافهم حتى لو كانوا من نفس الجنس ويدينون بنفس الدين، ومن ثم شرحت في مقالي الثاني (لماذا اخترت الهجرة إلى كندا؟) المنهجية المُثلى للتخطيط والتي تعتمد على طرح الكثير من الأسئلة بغزارة وبصراحة ليتأكد الإنسان من أنه يحتاج إلى تلك الهجرة، وفي مقالي الثالث (كندا ليست سواء) قمت بشرح فكرة الدولة الفيدرالية وكيف يمكن الاستفادة من التنقل بين مقاطعاتها إذا دعت الحاجة لذلك لأنها دول مستقلة في داخل دولة واحدة كبيرة، وفي مقالي الرابع (اللغة … مفتاح النجاح في كندا) أكدت على أهمية اللغة الإنجليزية للنجاح في كندا، وأنها العدسة الوحيدة التي ستساعدك على رؤية الفرص والاندماج في المجتمع، وفي مقالي الخامس (كندا … رحلة البحث عن عمل) تطرقت إلى الصعوبات التي واجهتني في البحث عن عمل وكيف تغلبت عليها، وفي مقالي السادس (كندا … قد تكون فرصتك للتغيير) سلطت الضوء على الحقائق التي ترتكز عليها الدولة الكندية، وكيف أنها يمكن أن تكون فرصتك للازدهار إن فهمت قوانين لعبة النجاح فيها.

وفي أثناء تحضيري لمقالي السابع، أظلتنا الانتخابات الفيدرالية الكندية التي جاءت في وقت عانى فيه المسلمون من عنصرية حزب المحافظين السابق، فرأيت أنه من الضروري توعية المسلمين بضرورة الانتخاب استراتيجياً للمشاركة في التغيير السياسي، فكتبت لهم مقالاً استثنائياً (في كندا أصوات المسلمين فاعلة)، وفي مقالي الثامن (من سير الصالحين في كندا) تكلمت عن اللقاء الذي حظيت به مع المحامي الكندي (دينيس إدني) وحاولت شرح إنسانيته العظيمة التي ليس لها حدود، وفي تلك الأثناء جاءت أخبار الفوز الكاسح الذي حققه الحزب الليبرالي الكندي بالانتخابات الفيدرالية، فكتبت مقالي التاسع (هكذا صنعت كندا عيدها) لأعبر فيه عن أهمية هذا النصر وضرورة المحافظة على صوت الجالية عالياً، ومن ثم عاودت استكمال الكتابة عن تجربتي في كندا في مقالي العاشر (هكذا بحثت عن عمل في كندا) والذي تطرقت فيه بالتفصيل إلى الكيفية التي اتبعتها للبحث عن عمل، وفي مقالي الحادي عشر (هويتنا في كندا) شرحت أهمية التكتل تحت هوية أشمل للجالية يمكن من خلالها تحقيق نتائج أكبر تفيدنا جميعاً، في مقالي الثاني عشر (تكلفة المعيشة في كندا) أجبت فيه بشكل تفصيلي عن الأسئلة المتكررة التي وردتني لشرح المصاريف الأساسية التي يجب على المهاجر توقعها في كندا، وقد اختلفت ردود الأفعال حول هذا المقال، فقد رأى بعض من يرغب بالهجرة أنه يشكل تهديداً لأحلامهم، والبعض الآخر أكد صحة ما فيه، مما زاد من حدة النقاش حول صحته، وحتى يزول هذا اللغط، كان من المهم أن يتم قراءة جميع ما تقدم من كتابات بشكل متسلسل من الأقدم إلى الأحدث حتى تحدث الفائدة ولا تبدو بعض الأفكار متناقضة إن تمت قراءتها بشكل أحادي منفصل.

كلمة أخيرة، يبدو أنَّ هذه الجهود التي أحاول القيام بها لتوعية الجالية العربية والإسلامية في المهجر كان لها صدى غير طيب على البعض، فهناك من يريد لهذه الجالية أن تبقى مُغيبة لا تلتفت إلى مصالحها، ففي صباح يوم الأحد الماضي تفاجأت بأن حسابي على الفيسبوك قد تم إيقافه من دون سابق إنذار، وحاولت إيجاد تفسير لما حدث. فكان التفسير الوحيد الذي خلصت إليه أنَّ هناك من يترصد لقلمي ولا يريد لحبره أن يسيل بما أكتب.

الحمد لله عاد لي حسابي من جديد، فقد كنت قد خططت إلى أن أنقل تواصلي مع المتابعين لمرحلة أقرب من خلال تنظيم حوار مباشر عبر فيسبوك وذلك يوم السبت الموافق ١٤ نوفمبر ٢٠١٥م، في تمام الساعة ٨:٣٠ مساءً بتوقيت مكة المكرمة، ١٢:٣٠ مساءً بتوقيت مدينة تورونتو لمناقشة موضوع الاضطرار إلى الهجرة.. نعم إنه اليوم!

حوار مباشر: هل أنت مضطر إلى الهجرة؟

فإن لم تكن متأكداً من اضطرارك للهجرة.. قد يكون هذا الحوار المباشر مفيداً لك، فلا تضيع الفرصة!

رأي واحد حول “الهجرة حاجة وليست غاية”

  1. السلام عليكم اخوي يوتس حسين ، أوافقك في ان الهجرة حاجة وليست رغبة ، مشكلتي اني صغيرة عمري 18 وأفكر في الهجرة ، ما افكر فيها لأجل الحياة الممتعة او فقط أفكار مراهقة حقا اريد أن أتخلص من قيود المجتمع هنا ، أن أتخلص من الدكتاتورية التي تمارس في العالم الثالث اريد أعبر عن رأيي بحرية، المشكلة هي اني مهما بحثت في النت لا أجد معلومات كافية ? حول الميزانية التي أحتاجها او ماذا أحتاج لاهاجر الى كندا بالطبع أن اهاجر الآن اقصد ساهاجر بعد ربما 7 سنوات ؟ فقط أجد وظيفة وتوفر عائد مادي اتمنى أن توضح لي أكثر بهذا الخصوص وأن لا يكون صغر عمري سبب للاستخفاف بحلمي مثلما يفعل الباقيين
    شكرا مقدما ?

    رد

أضف تعليق