يَحزَن القلب ويَندَى الجبين لما نسمع ونرى من أحداث نصب وإحتيال مستمرة في المملكة الأردنية الهاشمية على نطاق واسع، فعندما أقرأ خبر في موقع الأسواق العربية أنَّ مدن بأكملها في الأردن أصبحت مناطق منكوبة بسبب “البورصة” وتداول الأسهم، أتألم وفي نفس الوقت أستغرب سذاجة المواطنين الذين لم يتعلموا من أحداث التاريخ المحلية والعالمية، وفي الحقيقة أنا أتفهم أنَّ المواطنين أضطروا تحت ضغط الحاجة إلى اللجوء لشركات توظيف الأموال والإستثمار وأسهم البورصات من أجل زيادة دخلهم الفردي والعائلي في ظل الظروف الإقتصادية الخانقة التي يعيش أحداثها العالم عموماً والأردن خصوصاً.
ولكن ما لم يَعيهِ المواطنون وغفلوا عنه، أنَّ السذاجة المفرطة والوقوع في الخطأ المرة تلو المرة أمر مُشين لا يقبله الدين ولا العقل، كما أنه منقَصَة لا تليق بالمؤمن الذكيٌ الفَطِـن، وهذا جاء إثباته في الحيدث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يُلدَغ المؤمن من جُحر واحد مرتين )) صحيح الجامع للألباني 7779، وبالرغم من هذه المنهجية النبوية الصريحة، أتساءل كم مرة تعرض فيها المواطن للإستغفال والنصب من قِـبَـل شركات الإستثمار ومصارف مُحتالة ورجال أعمال مزعومين؟ مرات كثيرة لا تُعد ولا تُحصى في الأردن وحدها… يعجَز العاقل من أن يُصدقها عدى من أن يُعاود كرة الوقوع فيها مرة أخرى.
أضف إلى ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( المؤمن كَيِّس فَطِن حَذِر وقَّاف لا يَعجَل )) كشف الخفاء للعجلوني 2/387، مع أن حديث أنس فيه ضعف، إلاَّ أنه من الممكن الإستئناس به في موضوعنا الذي يصب في المجرى نفسه، والشاهد من نص الحديث أن المؤمن عاقل حكيم، يَزن الأمور قبل إتخاذ قرارات فيها مجازفة، ويكون على إطلاع كامل لما يجري حوله مع توخي الحيطة والحذر الكاملين.
المواطن العربي في بلاد مثل الأردن بالذات، لابد له من أن يُعمل عقله ويستخدم المنطق الحكيم الموافق للفطرة السليمة قبل أن يُـقحم نفسه في مشاكل مصيريَّة ويرتكب أخطاء فادحة قد تُودي به وبأسرته إلى ما أبعد من الهاوية التي لن يستطيع النهوض منها أبداً، فبناء الإقتصاد الذاتي من إمتلاك السيولة النقدية والذهب والعقار ليس بالأمر السهل واليسير، بل هو حصيلة جهد شاق يستغرق عمراً كاملاً في الجِدّ والكدح خارج الوطن بعيداً عن الأهل في دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا.
فليس من الحكمة والفطنة أن يضع الإنسان مدخراته كاملة مع شركات المضاربة الأجنبية والتي تكون شريفة في وطنها الغربي، وتبدأ بتغيير منهجها من الأمانة والشرف إلى النصب والإحتيال حالما تصل الوطن العربي لعلمها المُسبق بعدم توفر قوانين تحمي المواطن المسكين.
وهذا ما حدث مؤخراً في الأردن مع 46 شركة أجنبية متخصصة في التداول في البورصات الأجنبية وعلى رأسها شركة “ماتريكس” الأمريكية والتي تمكنت من جمع ما يزيد عن 60 مليون دينار أردني، عندما أعلنت إفلاسها في شهر سبتمبر المنصرم من هذا العام إثر الأزمة الإقتصادية العالمية، و لكن المراقبين الإقتصاديين يتحدثون عن إحتيال مقصود إرتكبته هذه الشركات بهدف جمع أكبر قدر ممكن من أموال الضحايا، مشيرين إلى أن تلك الشركات كانت تستخدم شاشات وبرامج كمبيوتر وهمية لإقناع زبائنها بأنها تحقق الأرباح من خلال المضاربة بالعملات والسلع الرئيسية في العالم.
لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم، هذا ما جنته على نفسها مراقش، المصيبة تكمن في سذاجة وجهل المواطنين المتعطشين للربح السهل الذين كانوا ضحية مندوبي تلك الشركات وإعلاناتها المغرية، فبادروا برهن بيوتهم وممتلكاتهم وبيع ذهب زوجاتهم وكل ما يملكون، وماذا كانت النتيجة… صفر… الفراغ التام!
من سينتشلهم من محنتهم؟ القانون لا يحمي المغفلين، والحكومات العربية لا تحمي المواطنين، كان من الأولى قراءة ولو كتاب واحد في طرق الإستثمار المالي السليم لتعلم فنون المضاربات والمتاجرة بالأسهم وغيرها، من الخطأ أن تضع كل ما تملك في سلة واحدة، من الخطأ الفادح التضحية والمخاطرة بكل ما تملك بهدف المضاعفة السهلة الغير موجودة أصلاً في قوانين الإقتصاد والإستثمار الكونية، الربح السهل لا يمكن حصوله إلاَّ بتجارة المخدرات والأسلحة والرقيق الأبيض وغيرها من الطرق الغير مشروعة.
إنَّ التشبه المجتمعات العربية بالمجتمعات الغربية ليس بالأمر الحكيم، والقياس بين المجتمعين فاسد، فالحلم الأمريكي حلم خطير أثبت فشله ولا يمكن ترجمته ليصبح حلم أردني، ففي أمريكا من الممكن للمواطن الذي أقحم نفسه بديون مالية لا يستطيع تسديدها أن يُعلن إفلاسه، وبهذه الطريقة تسقط عنه كل المُطالبات بما فيها قروض المصارف والشركات المالية وضرائب الدولة وغيرها، وأكبر عقوبة يمكن أن ينالها هو عدم تمكنه من الحصول على قروض جديدة لمدة 5 أو 10 سنوات، أما في الوطن العربي، فليس من الممكن أن تتخلص من ديونك بأي حالٍ من الأحوال، لذلك ليس من الحكمة إقحام نفسك بالديون أصلاً كشراء منزل وتقسيطه على مدى 20 أو 30 عاماً، لأنك لا تضمن إستمرار دخلك الجيد كل هذه المدة، أما في أمريكا، لو كنت تعمل في محطة وقود فأنت ستستطيع تمويل قرضك، كما أن أنظمة البنوك والمصارف لديهم أسهل منها لدينا.
إذاً الأوضاع والأحوال مختلفة تماماً وغير متساوية، كما أننا في الوطن العربي لا ننعم بحكومات مسئولة تتحمل المشكلات الإقتصادية وتحمي شعوبها كما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تبنى الكونغرس الأمريكي خطة الإنقاذ المالية الثانية المعدلة.
أختم عزيزي القارئ بالتحذير المغلَّظ من التشبه بالمجتمعات الغربية، حَذاري من التشبه بالمجتمع الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً، فأمريكا حالة إستثنائية في العالم، لا يصلح ولن يصلح تطبيق أسلوبها في أي بقعة أخرى، كلنا ذلك الشخص الذي يحلم بالإستقرار المالي الذي يولد بدوره الإستقرار النفسي، كلنا ذلك الشخص الذي يحلم بتأمين مستقبل أسرته وأولاده، ولكن هذا لن يكون بالسذاجة واللهث وراء شركات الإحتيال التي لا تأتي علينا إلاَّ بالفقر والخراب، لا أريد أن يُفهم أني ضد المتاجرة بالأسهم الإستثمارية… أبداً، ولكني ضد المتاجرة الجاهلة الغير مدروسة والتي لا تندرج تحت المنطق السليم، وضد المخاطرة بكل ما نملك بهدف الربح السريع، والله من وراء القصد.
أود أن أُلفت النظر الى مقال أخي حسين بعنوان “اختصارات النجاح”. لو تأملنا في تجارب الآخرين في أمريكا على سبيل المثال لما وقعنا فريسة لخدع التسويق. نحن نعلم أننا خلف أمريكا بسنوات, فلماذا لا ننظر الى ما نجحوا فيه ليرتقوا فنقلده (الابداع مثلاً) والى ما فشلوا فيه فنجتنبه (نظرية الهرم للتسويق مثلاً). للأسف مازال الكثيرون لا يتعلمون من أخطاء الغير ولو فعلوا لاختصروا الطريق للنجاح.
شكر خاص من ملتقى العرب ومشكووورين جدا جدا جدا
فعلاً أن ما حصل في الأردن هو نابع من سذاجة وطمع الناس اللذين ركضوا خلف الربح السريع لتحسين أحوالهم المعيشية وللوصول لبعض ما وصلت إليه الطبقة المخملية من المجتمع. رغم ما نراه مما حصل في الأردن من نكبة وكارثة لبعض الناس المشتركين في شركات البورصة الوهمية، نجد أن جزءاً ليس بالقليل من الشعب كان أذكى من الجزء الأول حيث استثمروا أموالهم في ما يدعى تجارة العملات بالهامش أو ما يسمى بالفوركس. طبعاً للعمل في هذه التجارة يتطلب الأمر توفر دائم للانترنت والمعرفة بأخبار الإقتصاد والتذبذب العالمي لأسعار العملات والويلات والحروب الحاصلة والتي تؤثر على البيع والشراء حيث أن هذه المعرفة والمتطلبات غير موجودة عند جميع طبقات الشعب وتبعاً لذلك لم يمارس هذه التجارة إلا الجزء القليل مقارنة بعدد السكان الإجمالي.
في تجارة الفوركس – لمن يجيدها – الربح الكثير والسريع وربما الفاحش! حيث أنه بالإمكان استرداد رأس المال الأصلي سريعاً والمتاجرة بعشرة أضعاف مبلغ رأس المال وأنت لا تملكه فعلياً ولكن تقرضه لك الشركة التي تمارس التجارة عن طريق موقعها الالكتروني لتزيد من الربح للطرفين. ترد أسئلة كثيرة هنا مثل هل تودع لك الشركة فعلاً عشرة أضعاف مبلغ رأس المال في الحساب؟ هل تستطيع بالمبلغ شراء بضاعة أخرى غير العملات؟ هل تستطيع تحويل جزء من القرض لاستخدامه في بلد آخر أو لاقراضه لزميل ما؟ نستنتج اجابة لما سبق أن القرض المعطى مشروط بالمتجارة مع الشركة المقرضة وهو محرم بشكل واضح في ديننا الإسلامي الحنيف. لكن الناس والمتعاملين منهم من علم بأمر الفتوى والحكم وتغافل لأن المبالغ تأتي بعائدات ضخمة ولربما خيالية ومنهم من لم يدري ولم يسأل أصلاً وانبهر بما
جاءه وهذا حسابه عند الله.
للإطلاع على المزيد من التفاصيل:
http://www.islam-qa.com/ar/ref/106094
http://www.islam-qa.com/ar/ref/72210
http://islamqa.com/ar/ref/121767
مكاتب البورصة هي عبارة عن مكاتب وهمية هدفها الاول النصب والاحتيال والهدف الاخر والاهم هو الاستيلاء على كل ممتلكات الناس المساكين من اراضي وعقارات …وبالتالي انهيار المجتمع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سوء الاداره- مثل حي على هذا الموضوع.
كان لنا جار عندما عاد من السعودية في اول التسعينات مع
مبلغ من المال لاباس به وكان يعيش سعيدا مع اسرته واولاده
ولكن مما خل توازن هذه العائله ان وضع هذا الرجل كل ما يملك
في البورصه في الاردن وأصبح يدير ماله من المنزل وهو ياخذ نفس
الارجيله مع نفسيه سعيده .لايخرج من المنزل الا عند الحاجه
والتنزه. وكثرت العائلع ماشاء الله الى سبع اطفال واذا
بالصدمه الكبرى أن نزلت البورصه الى الارض والرجل خسر كل شئ
ودخل الدين حياته بعد أن مد يده الى الآهل والآقارب والآصحاب
ولا تتصوروا تلك الحياه كيف اصبحت من سعاده الى تعاسه
من غني الى فقير الى شفير تاكسي(سرفيس) ولاحول ولاقوة الابالله
العلي العظيم .
ثمانية سنوات او أكثر كان يعيش في ضنك أسال الله العافيه
والآطفال أصبحوا كبار وحاجتهم تزداد الى المال غير أجار الدار
المتراكم عليه الى أن ارتفعت البورصه بعد أن ذاق الآمرين
انتعشت حياته من جديد .الحمد لله .
فرقت بنا الآيام ولكن كان نفسي أعرف هل حرم هذا الطريق أم لا.