تتجه أنظار العالم في هذا الأسبوع إلى مكة المكرمة، حيث يتجه السعداء من المسلمين لأداء مناسك الحج، وبفضل من الله، قررت أن أقف معهم هذا العام لعلي أكون أحد المحظوظين الذين سينعمون بمغفرة الله وشرف مباهاته بي أهل السماء. لا أخفي عليكم أعزائي القرَّاء أني لا أملك موضوعاً أقدمه هذا الأسبوع غير ما يشغل بالي من أسئلة ملأت عقلي بشكل غير إعتيادي والتي ستحدث تغييراً في أسلوب سؤالي لله لما أريده من هذه الدنيا، فبعدما منَّ الله سبحانه وتعالى علي بحرية التفكير والتحرر من التبعية العمياء، أصبحت أرى الدنيا بفلسفة جديدة مكنتني من فهم أمور شرعية كثيرة كانت عالقة في ذهني لم أستطع أن أجد لها جواباً أبداً. في الماضي القريب كنت مضطراً إلى خوض تجربة الأولين بقواعد زمانهم وأعرافهم التي كثير منها لا يمت إلى الإسلام بأي صلة، كما أنها لا تتناسب مع عصري أبداً لا من قريب ولا من بعيد، وبدلاً من فهم قواعد زماني ومحاولة الإبداع في تطبيق أصول الإسلام في ما يناسب عصري … رحت لأدعو إلى القشور بدلاً من الأصول، مما جعلني أقف بعيداً عن جوهر الدعوة كما تبعد الشمس عن الأرض.
وحتى لا أتهم بالزندقة، سأسرد بعض الأعراف التي كانت سائدة في زمن السلف، والتي لا يوجد لها أي صلة بالإسلام، فقد كان يرى علماء السلف أنَّ ما يلي من خوارم المروءة:
-
الأكل في مكان عام، وهذا مقبول في زماننا.
-
المشي حاسر الرأس، وهذا أمر مقبول تماماً في زماننا.
-
إرتداء ملابس غير المسلمين، وملابسنا الحالية الغربية أصبحت جزءاً من ثقافتنا والتي لا نستطيع تسميتها بملابس غربية، خصوصاً عندما لا تخالف الشرع.
لكن ما أردت قوله اليوم، هو أني أجد فلسفة جديدة في نظرتي للحياة والتي تنعكس على أدائي لعباداتي المستقبلية ومنها الحج، فقد كنت أؤدي الحج كالآلة دون فهم عميق لما يحمله الحج في طياته، كنت أنظر فقط إلى شكل العبادة وليس جوهرها، مما أفقدني الكثير من الفائدة والمتعة، فعلى سبيل المثال، لم أستشعر سابقاً مدى عمق علاقة الخليل إبراهيم بإبنه إسماعيل عليهم السلام وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، والآن عندما أذهب إلى الحج أصبحت دائم التفكير في إسماعيل الذبيح عندما استسلم لرؤيا والده الخليل إبراهيم حينما قال له: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } سورة الصافات من الآية 102، ما أصبح يلفت إنتباهي هو هل من الممكن أن أحظى بولد يتميز بمثل هذه الصفات؟ أم أنها كانت صفات النبوة؟ هل من الممكن أن تكون التربية الصحيحة على الإسلام والأخلاق السوية هي الطريق إلى مثل هذا البر؟
موقف آخر مهم، هل نحن فعلاً نحب الله ونمتثل لأوامره كما فعل إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل؟ فمن الوقفات التي لا يمكن تجاهلها شدة حب إبراهيم لإبنه إسماعيل، مما جعله يواجه إمتحاناً قاسياً بين اختيار الطاعة المطلقة لأمر الله، أو الحب الأعمى لولده والذي سيحجبه عن الطاعة، نجح إبراهيم الخليل في الإمتثال لأمر الله وهمَّ بالذبح وكان سيفارق فلذة كبده إلى الأبد، أما اليوم وللأسف … منا من لم يهمَّ بعد بأداء مناسك الحج وهو قادر عليه لأنه لا يقوى على فراق الأحبة لخمسة أيام فقط! هل نحن قادرون فعلاً على الإمتثال لأمر الله وتقديمه على المال والزوجة والبنون؟ يؤرقني شدة حبي لعائلتي وأولادي، وأشد ما أخشاه أن يبتليني الله بهم لا قدَّر الله.
قصة إبراهيم وإسماعيل من أكثر القصص القرآنية عبرة وفائدة، فذهاب إبراهيم مع زوجته هاجر لذبح إسماعيل ليس حدثاً عادياً يمكن المرور عليه مرور الكرام دون وقوف وتفكر، إذ هذه الحادثة بالذات أصبحت شعيرة عظيمة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكل من أراد الحج يقوم باسترجاع هذه القصة من خلال أداء منسك الجمرات، وفداء إسماعيل بكبش أملح من الجنة أصبح قرباناً في عيد الأضحى يقدمه كل مسلم في الدنيا شكراً لله على هذا الفداء، ولأضطر كل مسلم بتقديم ابنه قرباناً تأسياً بإسماعيل الذبيح، ولكن رحمة الله واسعة وحكمته بالغة.
كما تراودني بعض الأسئلة والتي أصبحت لا تفارق ذهني مثل:
هل فعلاً أعي أهمية العمل الذي سأقوم به؟ هل أنا جاهز لأدء مناسك الحج بشكل مختلف ومتطور؟ أم أنني فقط سأضيف حجة جديدة إلى رصيد حجاتي السابقة؟ ما الذي أريده من هذه الدنيا؟ ماذا حققت في حياتي السابقة؟ ما الذي أرغب في تحقيقه قُدماً؟ هل كان ما حققته فعلاً هو الذي أردته؟ والسؤال الأهم الآن، هل سيُعينني الحج على تحقيق ما أصبو إليه؟ كيف لي أن أجعل من الحج نقطة تحول وإنطلاقة جديدة في حياتي تعينني على فهم الحياة وإنجاز المزيد؟
أنا واثق من أن الحج عبادة ليس لها مثيل، وخصوصيتها الروحانية عجيبة تطور نظرة المسلم تجاه الحياة من ناحية احتياجاته منها والرغبة في تحسينها وتحيسن علاقته بالله سبحانه وتعالى، هنيئاً للحجيج الذين قد أدركوا ماهية العبادة المقدمون عليها، وعزائي لقوم تبَّع الذين لم يعوا من الحج إلا ملابس الإحرام والسعي بين المناسك.
نلقاكم على خير وكل عام وأنتم بخير.
حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا .. أسأل الله قبول حجكم بأن يخرجكم من ذنوبكم كيوم ولدتكم امهاتكم. هنيئا لكم هذه البشارة العظيمة من الله.
حج مبرور وسعي مشكور
تقبل الله منكم صالح الاعمال وكل عام وانتم بخير
حجا مبرور و سعي مشكور و جعلها الله مقبولة في ميزان حساناتك و كل عام و انت بخير
حج مبرور وسعي مقبول اخي
تقبل الله منك …
وكل عام وانت بخير
كل عام وانتم بخير 🙂
أسأل الله تعالى أن يوفقك في أداء مناسك حج هذا العام على الوجه الذي يزيد من عمق رصيدك الإيماني والتأملي والفكري..
حقاً.. يصبح للعبادة بعد وأثر مدهش عندما يصحبها التأمل في معانيها..
جزاك الله كل خير أخي حسين على ما قدمت فلقد شوقتني أن أبحث وأتعلم حتى يتسنى لي أن أستمتع بهذه العبادة الرائعة فلا تصبح فقط تقليدا بل فهما لما شرعت له. نحن فعلا نفتقد لذلك في عبادتنا والحج من أهمها حيث أنه قد لا يتسنى للعبد أن يذهب الا مرة واحدة في عمره. اللهم يتقبل منك وحجا مبرورا انشاءالله.