ماذا تعرف عن كندا؟ هل لديك ما يكفي من المعلومات والتصور عن الوضع فيها مما جعلك تفكر في أمر الهجرة؟ أم أنها الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا العربية هي التي اضطرتك إلى التفكير في هذا الأمر؟ إن كان ولابد من الهجرة، هل تملك خطة؟ ما هي خطتك الأولى؟ وما هي خطتك الثانية إن لم تفلح الأولى؟ هل تعلم أنَّ من يدخل كندا من دون خطة واضحة سيضطر من اليوم الأول أن يُصبح أسير خطط الآخرين؟ هل تعلم ماذا يعني أن تكون جزءاً من خطة مُحكَمة- بغير رضاك- لقوم يُتقنون التخطيط؟
إن لم تكن تملك أجوبة على تلك التساؤلات، فأنت بلا شك في المكان الصحيح للحصول عليها، وسأحاول بإذن الله تغطيتها قدر المستطاع من تجربتي الخاصة، وإثراءها بكثير من اللقاءات مع شخصيات عربية وإسلامية في كندا، علَّك عزيزي القارئ تجد فيها ضالتك لأفسح لك المجال للتفكير بشكل صحيح لتقرير المصير، فإما بقاء وإما ارتقاء، لتسعد في الدارين بإذن الله، وحتى لا يكون هنالك مجال للندم لتقول… لو أني فقط كنت أعلم لما غادرت، أو لو كنت فقط أفهم لركبت أول موجة لتحملني إلى شمال الأرض حيث يجب أن أكون.
دعني أوكد لك عزيزي القارئ أنَّ الهجرة ليست أمراً سهلاً، وهجر الأوطان حيث الأهل والأحباب ليس أمراً هيناً على الإطلاق، فالغربة قاسية ومؤلمة حتى لو كانت في جنان الأرض، ولا يعرف قيمة الوطن إلاَّ من عرف الغربة. لكن أيضاً البقاء في بقعة لا طموح فيها ليس قراراً صائباً حتى لو كان مليئاً بكل من نحب، وقد يكون ذلك البقاء أصعب من الهجرة نفسها، فكلٌ له حالته، وما حدث مع غيرك في كندا ليس بالضرورة أن يحدث معك، سواء كان نجاحاً أو إخفاقاً، فكلٌ له عقله ووضعه ونظرته المختلفة للأمور، وإياك أن تحيا حلم غيرك أو أن تحاول أن تحيا حياتهم والتي قد لا تناسب مقاساتك الاجتماعية وأهدافك المستقبلية على الإطلاق، فتضيق بك الدنيا وتهوي بك وبمن معك من إخفاق إلى إخفاق، فلابد لك من اختيار مصيرك بنفسك وبما يناسبك أنت ومن تعول دون الاكتراث لخطط الآخرين، وهذا لن يتسنى لك إلاَّ إذا كنت تملك رؤية وخطة واضحة لما تنوي القيام به والإقدام عليه في كندا، ووقتها فقط… لن يجد النجاح بُداً سوى أن يكون حليفك، فالنجاح كالطير وسط السماء، لا يهبط عبثاً من علوه سوى لمن كان جاهزاً لاستقباله، عدا عن ذلك، سيبقى في السماء يُحلق بعيداً ليبقى صعب المنال.
لا أريد أن يُفهم من كلامي أني أدعو إلى الهجرة أو أحثُّ عليها، أو أنفِّر منها للابتعاد عنها، فالهجرة كما أنها قد تكون غير مناسبة لفئة من الناس، فيمكن لها أن تكون طوق نجاة لفئات أخرى ممن اضطرتهم الظروف إلى ذلك، ففرص الغربة قد تكون أكثر بكثير من خسائرها، والهجرة قد لا تكون بالضرورة النهاية، فقد تكون بداية كل شيء. فما هذا الشيء الذي يجعل الإنسان يُقدم على الهجرة إلى الغرب بعيداً عن وطنه بكل إصرار وعزيمة رغم الصعوبات والتحديات الكثيرة… إنه البحث عن الأمل، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما فعلها رسول الله ﷺ يوم هاجر من مكة إلى المدينة بحثاً عن أمل تأسيس أعظم دولة عرفها التاريخ، ولما أمر بها المسلمون المضطهدون في مكة ليهاجروا إلى أرض الحبشة عند ملك عادل لا يُظلم عنده أحد، فعندما يضيع الأمل تتعطل قدرات الإنسان ليفقد ذاته في خِضَم الفشل العام المحيط به، فإن كان النجاح عادة تعتادها الشعوب لتسري بين أنحاء مجتمعها كالعدوى، فلا شك أنَّ الفشل أيضاً كذلك، وكم من عمل بدأ ولم يكتمل بسبب محيطه المُثبط لينتهي قبل أن يجني ثماره، فالأعمال التي لم تكتمل أكثر بكثير من تلك التي اكتملت، والذين يبدؤون المسيرة في أمتنا ثم يتوقفون، أضعاف الذين يبدؤونها ويكملون المسيرة إلى نهايتها.
من الجدير بالذكر أنَّ الهجرة إلى بلاد الغرب ليست متاحة لكل أصناف المجتمع، فالغرب لا يفتح أبوابه سوى لفئة معينة من الناس غالباً ما تكون الثلة في مجتمعاتنا، ومن بقي خلفهم أكثر بكثير، فما عسانا فاعلين بالغالبية العظمى التي لم يُحالفها الحظ بالهجرة أو أنهم لا يريدون ترك الأوطان؟ بالتأكيد سيكون لهم نصيب الأسد فيما أكتب، وهم من كانوا وراء استفزازي للبحث والكتابة حتى أوصل لهم أفضل معلومة بأسهل أسلوب ليتعلموا ويتفقهوا في أمور حياتهم بإذن الله.
ختاماً، سيظهر لك عزيزي القارئ من خلال كتاباتي أنَّ الحياة في كندا ليست وردية على النحو الذي تراه في الإعلام، أو موافقاً لما يقوله لك مستشارو الهجرة الذين يُصوَّرون كندا لزبائنهم على أنها أرض الميعاد وجنة المأوى، وكل همّهم تحصيل المزيد من أموال المهاجرين، فهي في نهاية الأمر دولة كأي دولة على وجه الأرض من رمل وحجر وليست من ذهب وعسل، لها ما لها من إيجابيات وعليها ما عليها من سلبيات، لكن المهم أن تعرف عن تلك الإيجابيات وتستغلها، وتنتبه لتلك السلبيات وتتحاشاها، فجميل أن يُعجب الإنسان بحضارة ما، ولكن القبيح أن يتحول هذا الإعجاب إلى انبهار يُفقد العقل والتوازن، وتصبح العاطفة هي الميزان الوحيد في النظر إلى الأمور، وثمن ذلك الميزان باهظ جداً.
أتمنى لك عزيزي القارئ قراءة ممتعة، تبعث الأمل في عقلك وروحك.
مبارك لك مشاركتك في “هاف-بوست عربي” وننتظر باقي مقالاتك… وأيضا قرأت كل التعليقات في موضوعك “الطريق إلى كندا”… وأفهم 100% ما هي نظرتك لكندا بالنسبة لك من بداية مقالك الحماسي إلى آخر التعليقات… فلا أريد استشارة مباشرة عن اجراءات الهجرة فأنا مضطلع عليها أولا بأول… ومتابع لتفاصيل كثيرة للداخل الكندي من أحزاب وسياسة واختلافات المقاطعات وتاريخها… فقط احتاج التعليق على بعض التساؤلات بناء على معلوماتي الشخصية التالية: سعودي المولد والإقامة والدراسة والعمل… لكن طبعا لست سعوديا… عمري 30… حاصل على ماجستير هندسة… أعمل في مركز أبحاث بترول في السعودية مدة 3 سنين لحد الآن… أعزب… التساؤلات هي:
1) لي نية للتوجه لدراسة الدكتوراه… والاستكمال في المجال الأكاديمي… وهناك فرصة لا بأس بها للحصول على قبول في جامعة كندية مرموقة في اونتاريو بسبب خلفيتي البحثية وتزكيات الدكاترة… سؤالي مادي بحت: بناء على المنح البسيطة عند دراسة الدكتوراه في كندا مع ما ادخرته من وظيفتي 3 سنين سيكفي للحياة الكريمة…؟ وإذا قررت الزواج… إلى أي درجة الحياة الكريمة ستتغير؟
2) قرأت عن مفهوم الـdual intention في التقديم على الهجرة إلى كندا… النية الأساسية الآن هي دراسة الدكتوراه… لكن وضعي الحالي (شهادة + لغة انجليزية عالية + خبرة + مجال عمل بترول مهم في كندا) يؤهلني بصورة معقولة للتقديم للهجرة مباشرة خاصة بعد نظام الExpress Entry… السؤال: ما نصيحتك؟
3) لفت نظري اشارتك إلى ملاحظة مهمة وهي في “عدم هدم جسور العودة”… ما يربطني بما يسمى “الوطن العربي” هم أهلي واحبابي في السعودية لكنها فقط مدعومة باقامة سعودية -كما تعرف- معقدة المحافظة عليها… وأيضا أشرت إلى أهمية اخفاءها عند التقديم على الهجرة لانها قد تعبر عن “عدم نية” للبقاء في كندا… سؤالي: ما نصيحتك في الاجتهاد في المحافظة على الاقامة السعودية للحفاظ على جسور العودة؟ وكيف المحافظة على عدم مخالفة اي قانون أو اجراء في كندا؟
مرحباً بك أخي عبدالله،
بالنسبة لسؤالك الأول حول الدخل والحياة الكريمة، أعتقد أنه من الصعب الإجابة على هذا السؤال لسببين إثنين:
١. تعريف الحياة الكريمة يختلف من شخص إلى آخر، وقد يكون ما هو أساسي في حياتك … ثانوي في حياة شخص آخر.
٢. من دون أرقام، لا يمكن الإجابة على مثل هذا السؤال، فأنا لا أعلم ما هو المبلغ الذي ستوفره لك المنحة، ولا أعلم ما هو المبلغ الذي ادخرته.
نصيحتي للنقطة الأولى: الحياة الكريمة في نظري هي تلك الحياة التي توفر لك كل سبل الحياة الأولية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب وكهرباء وماء من دون الحاجة إلى إقتراض المال من أحد. وإذا كنت في عمرك ولدي فرصة الحصول على منحة لدراسة الدكتوراة في دولة مثل كندا … فلن أفكر في الأمر كثيراً، وسأستغل تلك الفرصة مع أول هبة ريح، وسأعمل بالتوازي مع الدراسة حتى أزيد من دخلي إلى أن أنهي المنحة وأحصل على شهادة الداكتوراة، حتى لو اضطررت للعمل في متجر أو مقهى … المهم أن أنهي تلك الدراسة المرموقة وأحصل على الشهادة، فلا تفكر كثيراً، وفرصة كهذه ليست متاحة للجميع ولن تدوم طويلاً … فاستغلها!
أما بالنسبة للزواج، فهذا يعتمد على خيارك لزوجة المستقبل، وإلى أي حد لديها طموح وهمة عالية وقدرة على تحمل تقلبات الحياة، وهذا أيضاً أمر يختلف من شخص إلى آخر، فهنالك من العربيات من عملت على دعم زوجها والعمل لتحصيل المال وتحمل المصاعب إلى أن يُنهي زوجها معادلة شهادة الطب مثلاً أو الهندسة، وهنالك من جلست في بيتها كالصنم … تماماً كما كانت دائماً … غير قادرة على التأقلم مع متطلبات الحياة الجديدة وطرق التفكير الغربي وتقلبات الحياة فيها، فكانت عبئاً على زوجها، والنهاية … إما فشل عام والقبول به إلى الأبد أو الطلاق للمضي في النجاح، فخيارك لزوجة المستقبل سيحدد نجاحك في كندا أو غير ذلك، والصراحة مع شريكة الحياة لما سينتظرها … هو أفضل سبل النجاح، وبعدها … لها أن ترضى بذلك أو ترفض، والجميع سيكون في أحسن حال بعيداً عن أي فشل إجتماعي متوقع.
بالنسبة للسؤال الثاني، أعتقد أنك ستكون مؤهلاً بإذن الله للحصول على فرصة الإقامة الدائمة في كندا ومن ثم المواطنة، لست مطلعاً على التفاصيل ولكن هنالك إهتمام خاص بخريجي الشهدات العليا كالدكتوارة، وإذا حصلت على عمل في تخصصك، سيمكنك التقدم لدائرة الهجرة من دون أي معوقات للحصول على الإقامة الدائمة.
بالنسبة للنقطة الثالثة، ما قصدته في المحافظة على سجور العودة ليس المحافظة على الإقامة، ولكن المحافظة على علاقات طيبة مع الوطن العربي، فهنالك من يبدأ بالنيل من العرب وحكوماتهم مع أول لحظة له في كندا، فيدمر كل سبيل للعودة في المستقبل، وهؤلاء جميعهم قد ندموا ندماً شديداً على ذلك، واليوم لا يمكنهم أن يدخلوا تلك الدول ولو لزيارة على الإطلاق.
أما بالنسبة للإقامة فلابد من إلغاءها إذا كنت تنوي الحصول على الجنسية الكندية، لكن يمكنك الإبقاء عليها خلال فترة المنحة إلى أن تصبح مهاجراً شرعياً تحمل الإقامة الدائمة، وقتها … يمكنك إلغاءها بكل أمان.
أتمنى لك التوفيق في مشروعاتك القادمة، وستكون مهاجراً مميزاً بإذن الله.
كل التوفيق