قانون الجذب.. بين الإيجاب والسلب

|

حسين يونس

منذ أكثر من ١٠ سنوات، كنت قد كتبت مقالاً بعنوان (لماذا لا نبحث عن السبب؟) تحدثت فيه عن (خرافة السر) الكتاب الذي ألَّفه الشيخ «عبدالله العجيري» أنذاك في نقد كتاب (السر) للكاتبة الأسترالية «روندا بايرن – Rhonda Byrne» الذي تحدَّثت فيه عن قانون الجذب أو (قانون الإغراء – Law of Attraction)، والأخير هو الاسم الصحيح الذي يتم استخدامه في الغرب لوصف هذا القانون، ويبدو أنَّ العرب هم من حوَّلوا تسميته من (الإغراء) إلى (الجذب) ليُضفوا عليه شيئاً من الحشمة، فكلمة الإغراء في الثقافة العربية مقرونة بالآداب المُخلِّة، فيصعب تسويق القانون للأمة المسلمة.

المهم، أنه كان جلياً وقتها لمَن عرفني وقرأ المقال أني لم أكن ميَّالاً لفكرة كتاب روندا، وكنت متفقاً مع الشيخ العجيري في نقده لها، ومازلت حتى اللحظة أرى أنَّ قانون الجذب الذي تحدَّثت عنه روندا في كتابها ما هو إلاَّ خُرافة.. ابتدعها الجُهلاء، وصدَّقها الحمقى، وأَسْلَمَها المتخلِّفون:

  • الجهل بحقيقة النجاح (وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
  • الحماقة في الاتباع الأعمى من دون تفكير (حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)
  • التخلُّف عن فهم الإسلام والركب الحضاري (تَرجُو النَجَاةَ ولمْ تَسلُكْ مَسالِكَها :: إنَّ السَفِينةَ لا تَجرِي على اليَبَسِ)

القانون ببساطة وهمٌ كبير ليس له وجود لا في العلم ولا في الدين ولا في الأعراف البشرية، وما هو إلاَّ تخدير لعقول البسطاء اليائسين من الحياة، ينقلهم من فشل إلى فشل من خلال تبني منهجيات وهمية لا تأتي عليهم بأي نتيجة، وكل مَن يقول بأنه استخدم القانون ونال ما يريد، أقول أنه مُدَّعٍ كذَّاب! وإن كان فعلاً قد نال مبتغاه وحقق أهدافه، فهو بالتأكيد ليس عن طريق القانون الخرافي.. إنما عن طريق العلم والعمل المتواصل والدؤوب، ولكنه إما أنه لم يُدرك بعد حقيقة الأمر، أو أنه يعلم ولا يريد ذكر الحق كما هو لأنه مُنتفع من ترويج الوهم بين البشر.

لو فقط سألنا مَن حولنا: أعطونا أرقاماً لعدد الناس الذين استخدموا القانون ونالوا مُبتغاهم؟ يقيناً لن يستطيعوا ذلك وإن اجتمعت معهم الإنس والجن، والسبب ببساطة أنه لا يوجد مثل أولئك البشر الذين ينالون مبتغاهم عن طريق التَمنِّي من خلال إرسال ذبذبات إيجابية للكون، فذلك وهمٌ لا يقول به إلاَّ جاهلٌ جهول مُغيَّب تماماً عن معادلة النجاح الكونية التي خلقها الله وجعلها ثابتة لا تتغير {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} واستخدمها الأولون والآخرون لتحقيق النجاح من العرب والعجم.

دعونا نبدأ.. ما هي مشكلة القانون؟

الحث على (التواكل) بدلاً من (التوكُّل): إن لم تكن تعلم، دعني أخبرك كيف يعمل القانون، يصف أتباع قانون الإغراء أو الجذب أنه قانون طبيعي يتحكَّم في نظام الكون وحياة الأفراد من خلال جذب المشابه لأفكارك، بحيث أنك لو فكَّرت أو شعرت بشيء، تُرسل ذبذبات إلى الكون فيعمل على جذب الأحداث أو الظروف المطابقة للذبذبات التي أرسلتها أفكارك، فكل ما عليك فعله هو (التَمنِّي – Wish) ⬅︎ (الإنتظار – Wait) ⬅︎ (التَلقِّي – Receive)، والكون كله سيعمل على تحقيق أمنيتك.. هكذا وبكل سذاجة! وهذا أمر مُنافٍ لقوانين الكون التي خلقها الله سبحانه وتعالى وعلى رأسها (قانون التوكُّل) الذي تنص معادلته على الخطوات التالية (طلب العلم – Education) ⬅︎ (توظيف العلم – Execution) ⬅︎ (حصد النتائج – Results). فبقدر العلم وصحته والقدرة على توظيفه تكون النتائج، وهذا هو عمدة قوانين النجاح كلها، ومهما بحثت.. لن تجد عنه بديلاً. طبعاً من الجدير بالذكر أنَّ مُروِّجي هذا القانون والمنافحين عنه في الغرب تلقَّوا الكثير من النقد من عقلاء قومهم هناك، فعمل بعضهم على تعديل القانون وإضافة مراحل لها معنى كضرورة العمل لتحقيق الأماني وهكذا، والمُتابع سيرى إختلافاً بين كتاباتهم السابقة والحالية، فطوَّروها ليخرجوا من تهمة المُتاجرة والاستخفاف بعقول الناس.

استبدال (الله) بـ (الكون): يُوهم أتباع ذلك القانون بأنَّ الكون قوة بحد ذاتها تسمعهم وتُلبي نداءاتهم وأمنياتهم، ناهيك عن أنَّ تلك الفكرة لا تخلو من الشرك بالله، فهي تنزع فكرة اللجوء إلى الله واستبداله باللجوء إلى الكون، فهي فكرة أسَّسها مُلحدون لا يؤمنون بوجود الله، وعندهم الكون هو القوة الأساسية، ذلك الكون الذي حتى اللحظة لم يكتشفوه ولم يعرفوه حق المعرفة ليجعلوه قوة مُطلقة بديلة عن قوة الإله الخالق، فهم يلجؤون إلى غيب لم يَروه، وفي الوقت نفسه يُنكرون على المسلمين إيمانهم بالإله الغيبي الذي لم يروه! ذكرني هذا الأمر بمدارس كندا الحكومية التي تُعلِّم الأطفال هناك بأنَّ الحر والبرد والريح والمطر وغيرها، هي أمور تتحكم فيها الطبيعة والتي يُطلقون عليها (الطبيعة الأم – Mother Nature) ولا ينسبون شيئاً لله الذي خلق الطبيعة، وكانوا بناتي يسألونني وقتها إن كان لله أي تحكم بالمناخ في ظل وجود الطبيعة الأم؟ وكانت تلك إحدى التحديات التي واجهناها في الغرب لتصحيح الإيمان العَقَدي لديهن، فأي محاولة لاستبدال الإله بأمور غيبية لم نراها ولا نعلم إن كانت موجودة فعلاً، هو أمر خطير على عقيدة الإسلام والمسلمين خصوصاً في ظل الجهل والضعف العام الذي تمكَّن من بيوت المسلمين مع الأسف الشديد.

التأكيد على أمور غيبية قد لا تحدث: الكثير من عوام المسلمين الذين يدعمون هذا القانون الوهمي ويؤيدونه، يستندون على حديث موضوع كاذب لم يقله النبي محمد صلى الله عليه وسلم ألا وهو (تَفاءَلُوا بِالخيْرِ تَجدُوه). ناهيك عن أنَّ هذا الحديث موضوع، إلا أنه أيضاً فيه إشكالية مهمة جداً تتعارض مع المنهج الإسلامي الصحيح، فالحديث يؤكِّد على أنه بمجرد وجود التفاؤل فإن الأمور ستحدث لا محالة، وهذا إشكال كبير! الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بالتفاؤل وعدم القنوط واليأس، وذلك من خلال حُسن الظن به واللجوء إليه من خلال الدعاء كما قال الله عزَّ وجلّ في الحديث القُدُسي (( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ )) ولكنه لم يَعِد سبحانه وتعالى أنَّ الإستجابة ستحدث لا محالة في الدنيا، فهو قد يُؤخِّرها إلى الآخرة لسبب يعلمه هو، فهو أدرى بما يصلح لعباده وهنا مَربَط الفرس. قانون الإغراء أو الجذب وضعه ملحدون لا يؤمنون بالله، وسوَّقوا لفكرة أنَّ القانون يعمل على تنفيذ ما نتمناه في الدينا لأنهم لا يؤمنون بالآخرة أصلاً، وعندما يُصدِّق المسلم كلامهم ويتَّبعهم ومن ثم يتفاجأ أنه ما تمناه لم يحدث، سيدخل في دوامة إحباط قد لا يخرج منها، بينما لو اتبع الله سبحانه وتعالى، لَعَلِم أنَّ كلامه أصدق قيلاً من أولئك الملحدين، وأنه لا يجوز أن نيأس مهما تأخرت نتيجة العمل والدعاء، وقد نستمر في العمل والدعاء معاً ولا يأتي ما نتمناه في الدنيا لخيرٍ يعلمه الله، ولن يُنجِّنا من ذلك اليأس المُحتَمَل سوى حُسن الظن بالله وثقتنا بحكمته في تأخير الإجابة إلى وقت ارتضاه هو سبحانه. وهذا أمرٌ لن تجده سوى في نفوس وعقول أتباع الإسلام الحق. الغريب أنَّ هناك من المسلمين مَن يعتقد بأنَّ نقد قانون الجذب المزعوم وتكذيب الحديث الموضوع أعلاه، هو دعوة إلى التشاؤم والتخلِّي عن التفاؤل، وهذا أمر غريب لا يقع فيه سوى الدهماء ذوي العقول البسيطة والمُسطَّحة، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يُعجِبُني الفَألُ الصَّالِحُ، والفَألُ الصَّالِحُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ )) ولم يزد على ذلك شيء، فلم يَرِد أي نص يُؤكد على أنَّ التفاؤل سيأتي بالنجاح الحتمي لا محالة كما ورد في النص الكاذب (تَفاءَلُوا بِالخيْرِ تَجدُوه)، لأنَّ التفاؤل هو بداية الطريق فقط وليس مرتبطاً بجذب النجاح أو تحقيقه، وهذه نقطة غاية في الأهمية.

أَسْلَمة القانون خطأ كبير: أكثر ما يُثير استغرابي خلال متابعتي للتيار الإسلامي، هو سقوط بعض المشايخ والدعاة في وحل هذا القانون والعمل على أَسْلَمته بأي ثمن! ويبدو أنهم قد فُتِنُوا به.. وفَتَنوا الكثير من المسلمين بذلك الفعل الغير مُبَرَّر، فلا يوجد أي داعٍ لتحميل الإسلام ما لا يَطيق، فالدين الحنيف لديه ما هو أفضل مثل (قانون التَوكُّل) للحصول على ما نريد ضِمْن حدود المُتاح والمعقول. المشكلة أنَّ أتباع الإسلاممع الأسف الشديدباتوا يُشكِّلون عبئاً ثقيلاً على دينهم، فلوا توقَّفوا عن إقحام دينهم في كل شيء استماتةً منهم لإثبات صحته، سيسلم الإسلام من الإهانة والعبث. لأننا بكل بساطة لو انتقدنا القانون، سيتهمنا مَن عمل على أَسْلَمته بأننا ننتقد الإسلام أيضاً لأنهم ربطوه بالقانون، فوجب الكف عن ربط الإسلام بكل شيء احتراماً له. وحتى ننتهي من هذه المسألة، من المهم الإنتباه إلى أنَّ الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، ولكنه لا يحوي في داخله كل الأزمان، بمعنى أنَّ كل الأحكام والتشريعات الثابتة في القرآن يمكن العمل بها في كل زمان ومكان، ولكن تلك الأحكام والتشريعات لا تحتوي على كل ما يظهر في العصور المتقدمة، وهذه لفتة مهمة جداً لابد من استيعابها حتى لا نُحمِّل الإسلام ما لا يَطيق، فاليوم وغداً وبعد زمن ستظهر أمور لم يذكرها القرآن، فلا يوجد أي داعي لأَسْلَمتها بحجة أنَّ الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ذلك فهم خاطئ لتلك الجملة وتوظيف لها في غير محله.

السؤال المهم الآن، هو لماذا يميل الناس إلى مثل هذه المعتقدات الوهمية على الرغم من وجود حلول في معتقدهم الحنيف؟

الجواب هو أننا نعيش اليوم في زمان الجهل فيه سهل والحصول عليه متوفر في كل مكان وفي أي وسيلة ممكنة، إضافة إلى أنَّ تلك المعتقدات التي يتم الترويج لها تحت مُسَمَّى (التنمية البشرية) لا تحتاج إلى الكثير من التفكير والعمل، فمن كثرة ضغوط الحياة والرغبة الجامحة في تحصيل كل شيء بسهولة، تجدهم يميلون ميلاً كبيراً لتلك الأفكار الفارغة من أي تنمية. ومن الجدير بالذكر أنَّ علم (التنمية البشرية) يندرج تحت العلوم الإنسانية وعلم الإجتماع، لكنه أصبح مصطلح فضفاض بحيث يمكن إلصاق أي شيء تحت مظلته، والتنمية البشرية بريئة من هذه التُرَّهات كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام.

مهم جداً ألاَّ نخلط بين (التنمية البشرية) وبين (الإيجابية الزائفة)، التنمية البشرية تحوي في طياتها كل السُبُل التي تطور من الإنسان ومهاراته، كتطوير طرق التواصل والتفاوض والتخطيط وإدارة المشاريع والكتابة والخطابة وطرق التفكير والتحليل.. والكثير الكثير من السُبُل التي يحتاجها الإنسان للتطور والرُقي، شريطة أن تكون تلك الدورات لها قواعد متوافقة مع العلوم الثابتة التي اتفق عليها العقل والعلم. أما تلك الدورات الوهمية التي تعتمد على قضايا غيبية غير مرئية لا نعلم إن كانت موجودة أم غير موجودة ونجعل منها طريق مؤكد للنجاح، فهذا جهلٌ مُركَّب ونتيجته سيئة في الدنيا والآخرة.

كما ذكرنا آنفاً، التفاؤل أمر مهم أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رُوي عنه، ولكنه لم يؤكد على أنَّ التفاؤل سيقود إلى نيل ما نتمناه، بل هو بداية الطريق فقط، ومن بعده يحتاج الإنسان إلى الكثير من العلم والعمل والجهد والسهر لنيل ما يتمناه، وهذا أمر ثابت في الإسلام وبرهن على صحته كل الناجحين في العالم، فلو اطلعت على مسيرة الناجحين حول العالم على اختلاف أعراقهم ودياناتهم، فلن يذكروا قانون الجذب لا من قريب ولا من بعيد، بل سيؤكدون على أنَّ مفتاح النجاح هو (١٪) إلهام وخيال + (٩٩٪) جهد وإجتهاد، وهذه حقيقة لا يختلف عليها إثنان من العقلاء، وإلاَّ بالله عليكم، لماذا لا ينال البشر (١٪) من أمنياتهم التي يحلمون بها بكل إيجابية في الليل والنهار؟ فقط إسأل نفسك!

التفاؤل مطلوب بلا أدنى شك، وأهميته تكمن في تَمكين العقل من رؤية الحلول الممكنة للإنتقال من مرحلة إلى أخرى، وليس لجذب ما نتمناه، فلا توجد مشكلة في الكون إلاَّ ولها حل، والتفاؤل يسمح للعقل برؤية تلك الحلول، والتشاؤم يُعطِّل وظائف العقل ويضع الإنسان في دوامة من الفشل بحيث يُصبح غير قادر على رؤية الحلول التي أوجدها الخالق من حولنا، والتفاؤل سيسمح لنا بأن لا نيأس وأن نرى الخير الذي خلقه الله على الأرض.. وما أكثره من حولنا!

أود أن أختم بفكره مهمة للغاية فيما يخص قانون الجذب، قد يجعلك تستوعب كل ما تقدَّم، لو كان هناك جذب حقيقي في هذا الكون فهو جذب البشر لبعضهم البعض من خلال التواصل والتعامل لاكتشاف أنفسنا، فلا يمكنك أن تجذب الحجر لأنه خالٍ من الروح التي هي محور التجاذب الحقيقي، ففي الدنيا تتجاذب الأرواح وليس الأحجار، وعلى الرغم من ذلك، فالبشر لا يمكنهم جذب بعضهم عن بُعد كما يُروِّج لذلك مُدَّعو قانون الجذب، فلابد للبشر من رؤية بعضهم البعض والتواصل مباشرة، ووقتها.. إما سينجذبون لبعضهم أو ينفرون كما صحَّ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث (( الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ))، ولا يمكن ذلك إلاَّ عن طريق التلاقي عن قرب.

فقد انتشرت مؤخراً دعوات تحثُّ الفتيات المسلمات اللاتي يُردن الزواج، أن يتخيَّلن رجلاً ما بعينه يرغبن به، وأن يَتمنَّين ذلك بقوة، وأن يَضعن صورته أمامهُنَّ قدر المستطاع، والكون وقتها سيستجيب ويُرسله لهن، أليس في هذا هرطقة ونوع من الشعوذة؟ بل هناك من أضاف بعض الأَسْلَمة لتلك الطريقة المتخلفة بحيث يأمر الفتاة بأن تقرأ سورة الفاتحة ٤٠ مرة على الصورة حتى تتأكد أنَّ الجذب سيحدث بصبغة إسلامية، ولا أقول سوى حسبي الله ونعم الوكيل.

دعونا ننظر لمثال الجذب من منظور عملي.. إذا أردت البدء في تأسيس مشروع، من القضايا التي يجب علي دراستها هي التحديات التي ستظهر خلال المشروع، ماذا لو ظهرت تلك التحديات وأصبحت تهدد نجاح المشروع؟ كيف يمكن تفادي تلك التحديات؟ هذا يُسمَّى في علوم الإدارة بـ (إدارة المخاطر) الذي أعتبره من أرقى وأهم أنواع الإدارة التي أتقنتها في حياتي.

عندما يسمع المُنافحون عن (قانون الجذب) ما تقدَّم، مباشرة.. يقولون لي: أنت فكَّرت في الأمور السلبية وجذبتها لك، وهذا يعني أنَّ المخاوف التي كانت تراودك ستحدث لا محالة، أنت أسست لفشل المشروع!

فأقول لهم: وكيف لي أن أتصرَّف إذاً لتفادي تلك المخاوف أو التحديات؟

يقولون لي: لا تفكَّر في المخاوف فهذه سلبية لا تريدها، ولكن فكِّر في المنافع التي ستأتي من المشروع، وتلك هي الإيجابية التي ستجذبها لمشروعك!

قأقول لهم: جميل.. وماذا لو واجهت بعض التحديات خلال المشروع؟ كيف لي أن أتصرف وأنا غير جاهز لمواجهتها؟

يقولون: لا عليك.. فقط كن إيجابياً لتجذب النجاح والفشل لن يأتي!

بالله عليكم، كم إنسان اتَّبع طريقتهم ونجح ونال ما يريد؟ الجواب.. صفر! وعندما يفشل القانون المزعوم، يلومون الضحية على ذلك الفشل، لأنَّ النوايا الإيجابية لم تكن إيجابية بالقدر الكافي لاستقطاب النجاح. فمُروِّجوا هذا القانون يعملون بمبدأ الإمبريالية الغربية في مص دماء الشعوب، إن نَجَحْت فيما تريد.. فذلك لأنك اتبعت طريقتهم الديمقراطية في الحياة، وإن فشلت.. فذلك لأنك لم تفهم الديمقراطية ولم تطبقها كم ينبغي! ببساطة، يَنسبون لأنفسهم كل نجاح لم يكونوا وراءه، ويَتنصَّلون من كل فشلٍ هم أهم أسبابه، كالثعبان اللزج الذي لا يمكن اصطياده!

من أكبر المشكلات التي يقع فيها المسلم في اتباع هؤلاء الجهلة هو استغناؤه عن عقيدة الإسلام النقية الثابتةالتي تَقودنا إلى النجاح في الدينا والآخرةوتَورطه في معتقدات وثنية تَحْرِفُهُ عن جادة الصواب وطريق الحق، والمصيبة الأكبر أنَّ الناس تَتَّبِع هذا التخلُّف وهم يجهلون عقيدة التوحيد ولا يفهمونها ولا يعلمون كيف يُوظِّفوها، فأصبح استدراجهم لتلك المعتقدات الباطلة أسهل مهمة مع الأسف الشديد.

يُلغون من حياتك فكرة (إن شاء الله) و (بإذن الله) ويسلبون (مشيئة الله) من الكون، ويجعلون النجاح أمراً حتمياً من خلال معتقدات باطلة أثبتت فشلها منذ أن خلق الله الكون. لا يريدون منك تَوقُّع أي تحديات في حياتك، لأنه حسب اعتقادهم تلك سلبية في التفكير، وهذا جهل مُركَّب لا يَمتُّ لعلوم النجاح لا من قريب ولا من بعيد، والأصل هو توقع الأسوأ مع تمني حدوث الأفضل كما يُقال في الغرب (Hope for the best, Expect the worst). هذه هي الإيجابية الحقيقة التي ستجعل النجاح يأتيك بإذن الله، وهذه هي الطريقة التي اتبعتها في مشروع الهجرة إلى كندا، ومن فضل الله حققت نجاحاً مُبهراً منذ الأيام الأولى لي هناك، وعشت كريماً في تلك البلاد وخرجت منها كريماً من فضل الله، ولو اتكلت على قوانينهم الباطلة لانهرت وأسرتي منذ العام الأول، ولبقيت هناك أتكفف الحكومة والناس ولبقيت سجيناً في تلك البلاد إلى الأبد!

مَن يريد النجاح وتحقيق ما يريد، فيمكنه ذلك بكل تأكيد، ولكن من خلال اتباع منهجيات سليمة تتوافق مع قوانين الكون التي خلقها الله سبحانه وتعالى وارتضاها لخلقه، وكنت قد كتبت مقالاً في هذا الصدد بعنوان (هل خططت لحياتك؟) يمكنكم قراءته والعمل به والنجاح حليفكم بإذن الله.

أتمنى أن تكون الفكرة قد وضحت، وإن ارتأيتم لقاء مرئي مباشر للتفصيل في هذا الموضوع، فأنا على أهبة الإستعداد لذلك، فقط اتركوا لي آراءكم في صندوق التعليقات.

كل التوفيق🌹

8 رأي حول “قانون الجذب.. بين الإيجاب والسلب”

  1. شكرًا جزيلاً ا. حسين …
    تحية لفكرك الجميل و انت انسان تحمل العطاء و العمل الصالح …
    هناك المعرفة و هناك الفهم و هناك التطبيق…
    هناك قوة عاقة عالمة و هناك قوة عاملة للعقل !
    هناك محرك للجسد للبقاء يتمثل في الهروب من السلب و البحث عن اللذة !
    و هناك محرك ذاتي للبشر يتمثل في التوازن الذاتي ! وهو وجود السلب و الإيجاب ! اي وجود التحدي و الإنجاز ! و هذا ما يبحث عنه الإنسان للوصول الى الرسالة الذانية و العمل الصالح !
    اكثر عقول البشر مبرمجة و عقول جمعية تفتقد التفكير الذاتي النابع من العقل القلبي ! و المتناغم مع الدماغ لاحداث الاتساق و التفكير الذاتي !!!
    و هناك الكثير للشرح ! و اتشرف ان أتواصل معكم ..

    رد
  2. “ولو اتكلت على قوانينهم الباطلة لانهرت وأسرتي منذ العام الأول، ولبقيت هناك أتكفف الحكومة والناس ولبقيت سجيناً في تلك البلاد إلى الأبد!”
    هالجملة كتير أثرت فيني لأنها بالفعل حقيقة وهاد الشي صعب الواحد يستنتجه الا اذا كان حاد البصر والبصيرة
    طبعاً أسلوبك بطرح الافكار ومناقشتها بأسلوب علمي ومنطقي أكتر من رائع
    أكيد بدنا لقاء مرئي

    رد
  3. كنت جد يافعة عندما بدأت هذه القصص حول قانون الجذب ، و عندما استمع لهم اشعر انهم مزيفون لأنها تتعارض مع الواقع و لكن الاعلام الخائن الذي يطبل لهم جعل منهم مصلحون اجتماعيون و نجوم القرن . لم أعد أسمعهم لأني لا أأمن بهم و لكني لم يحصل ان خصصت لهم وقت او جاءت فرصة لدراسة هذه الأفكار .
    و لكن تطرقك للموضوع رائع و متوازن و منطقي .
    اعرف كمية الجهد الذي بذلته و الذي هو من وقتك الخاص و وقت عائلتك . جعله الله لك صدقة جارية تنجيك من النار و تجعلك من الفائزين .

    رد
  4. طريقة عرض الأفكار منهجية وممتعة. شكرًا على الإبداع.
    (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله) صدق الله العظيم، مقرونا مع اعقل واعمل وتوكل.
    لدينا منهاج رباني من القرآن والسنة ما يغنينا عن اي قانون وضعي، مع التحفظ الإيجابي عن رأيي في قانون الجذب

    رد
  5. مقال رائع استاذ حسين فعلا حضرتك نموذج يحتذى به فى المسلم المتمسك بدينه وعقيدته رغم وجوده فى بلاد الغرب حضرتك بتبعث على التفاؤل ربنا يثبتك ويجعلك سبب فى انارة عقول كثير من المسلمين الغافلين

    رد

أضف تعليق