إدارة التفاوض – الجزء التاسع

|

حسين يونس

نكمل اليوم بإذن الله مع التقنية السابعة والأخيرة من تقنيات إدارة التفاوض: ( لا تبدأ بطلب تقسيم الفرق )، فعندما يكاد يكون الطرف الآخر دائماً على استعداد لتقسيم الفرق، أطلب أكثر من نصف الفرق، وغالباً ما يمكنك النجاح، فأول شيء يجب أن نتذكره هو أن لا نبدأ بطلب تقسيم الفرق، وعِوضَاً عن ذلك، نشجع الطرف الآخر أن يبدأ هو بذلك … ما معنى هذا وكيف يعمل؟

لنفترض أنك مقاول بناء، تعمل على الفوز بعطاء إعادة بناء بناية تقدمت لها بعرض قيمته 860 ألف ريال، بينما كان عرض العميل 750 ألف ريال، كنت قد بدأت التفاوض معهم لفترة وجيزة تمكنت من خلالها رفع قيمة عرض المالك إلى 800 ألف ريال، وخفضت قيمة عرضك إلى 840 ألف ريال، والآن تسأل نفسك … ماذا أفعل؟ لديك شعور قوي بأنك لو عرضت على المالك تقسيم الفرق – 40 ألف ريال – سيوافق على الفور بحيث يصبح قيمة العرض 820 ألف ريال.

فبدلاً من عرض تقسيم الفرق، قم بإخبار المالك ما يلي: ( أعتقد أنَّ الأمور لن تتقدم هكذا، لقد أنفقنا وقتاً وجهداً مضنيين لصالح هذه المناقصة، حيث اقتربنا من إتمامها بمبلغ يُرضي كلينا ويبدو أنه من المؤسف أنَّ كل شيء سوف ينهار بسبب 40 ألف ريال فقط )، إذا واصلت التذمر متحججاً بالوقت والجهد الذي بذلته على إعداد هذا العرض والمال الذي أنفقته، ستجد المالك يقول لك في نهاية المطاف: ( لماذا لا نقسم الفرق علينا نحن الإثنين وننهني المسألة؟ )، فتقول له فوراً: ( ماذا تعني بتقسيم الفرق؟ قيمة عرضي 840 ألف ريال، وقيمة عرضك 800 ألف ريال، هل معنى كلامك أنَّ قيمة العرض ستصبح 820 ألف ريال؟ هل هذا ما قصدته؟ )، سيقول لك: ( نعم، إذا خفضت عرضك حتى 820 ألف ريال سنصل إلى إتفاق ).

ماذا يعني ذلك؟ لقد قمت بعمل رائع، لقد رفعت للتو سقف التفاوض من 800 ألف ريال إلى 840 ألف ريال، فقد أصبح نطاق التفاوض بين 820 – 840 ألف ريال، وأنت لم تتنازل ريالاً واحداً بعد … هذا إنجاز!

عندها قل للمالك: ( بالطبع أنَّ 820 ألف ريال أفضل من 800 ألف، ولكن أعطني المجال لأستشير شريكي في المناقصة لنرى هل باستطاعتنا الموافقة على هذا المبلغ أم لا، وغداً أبلغك النتيجة )، وفي اليوم التالي إتصل به وقل له: ( يا للهول، إنَّ شريكي عنيد جداً، وقد أمضيت الأمس بأكمله في إقناعه بالموافقة على مبلغ الـ 820 ألف ريال، ولكن هذا كلفنا عملاً مضنياً من جديد، فقد أعدنا حسابتنا كاملة لنغطي الفرق، ولكنه بقي مصراً على أننا سنخسر إن خفضنا ريالاً واحداً عن مبلغ الـ 840 ألف ريال، ولكنَّ الخلاف بيننا الآن أصبح على الـ 20 ألف ريال بدلاً من الـ 40 ألف، ولا أعتقد أننا سنترك الأمور تنهار بسبب 20 ألف ريال ).

إذا كان بمقدورك أن تحافظ على هذه الوتيرة من المناورات لأطول فترة ممكنة، ففي نهاية المطاف ستجبر المالك على تقسيم الفرق – الـ 20 ألف ريال – مرة أخرى، هذه المناورة جعلتك تكسب 10 آلاف ريال إضافية، وحتى إن لم تستطع تقسيم الفرق المتبقي مجدداً وإنتهيت إلى مبلغ 820 ألف ريال، فإن شيئاً ما مهماً قد حدث، ألا وهو أنَّ المالك سيعتقد أنه قد ربح التفاوض بجعلك توافق على تقسيم الفرق، وأنَّ شريكك قد وافق على مضض.

والآن، عد إلى البداية مجدداً ولاحظ إن كنت أنت من طلب تقسيم الفرق، فستكون قد وضعت عرضك مباشرة على طاولة التفاوض، مما سيضطرك على إجبار المالك على الموافقة، وقد تنجح في ذلك، الأمر الذي سيجعلك تشعر بقوة إضافية، ولكن هذا لن يكون جيداً بالنسبة لمن شعر أنه قد خسر، وأعني بذلك المالك الذي سيشعر أنه وافق مضطراً على ذلك، أي أنه شعر بالهزيمة، وهذا شيء غير مطلوب في التفاوض.

تذكر أنَّ جوهر قوة التفاوض دائماً يكمن في ترك الطرف الآخر يشعر بأنه قد إنتصر، إذاً، فإن قاعدة ما تقدم ذكره هو أن لا نبدأ أبداً بطلب تقسيم الفرق، بدلاً من ذلك نعمل على تشجيع الطرف الآخر ليبدأ ذلك.

تذكر النقاط الرئيسية التالية لتقنية ( لا تبدأ بطلب تقسيم الفرق ):

  1. لا تقع في شرك التفكير بأنَّ تقسيم الفرق هو شيء عادل وجيد.
  2. تقسيم الفرق لا يعني التنازل عن نصف قيمة العرض، تذكر أنك يمكنك القيام بذلك أكثر من مرة.
  3. إيَّاك أن تبدأ بطلب تقسيم الفرق بنفسك، وبدلاً من ذلك إعمل على تشجيع الطرف الآخر بطلب ذلك.
  4. مع جعل الطرف الآخر البدء بطلب تقسيم الفرق، تكون قد وضعته في موقف المقترح للحل الوسط، وقتها إظهر بمظهر الموافق على مضض، مما يجعل الطرف الآخر يشعر بالإنتصار.

المراجع:

“Roger Dawson” author of: “Secrets of Power Negotiation”.

3 رأي حول “إدارة التفاوض – الجزء التاسع”

  1. مقالاتك رائعة
    ويقل نظيرها في المنتديات العربية
    والشيء الملفت اهتمامك بوضع المصادر

    هي صدقة جارية لكم إن شاء الله ما بقي شخص يستفيد من هذا العلم

    رد
    • @سعيد حسن, بارك الله فيك أخي الكريم وشاكر مرورك وتعليقك.

      أهم ما يميز الكاتب هو إستشهاده بالمصادر التي يأخذ منها معلوماته، وتأتي هذه الأهمية في وقت كثر فيه الكذب والخزعبلات الغير علمية أو منطقية على الإطلاق.

      أتمنى أن تكون قد إستفدت من المادة التفاوضية، وسأسعد بمشاركاتك دائماً.

      كل التوفيق،

      رد

أضف تعليق