الفتوى مِمَن؟

|

حسين يونس

عندما يتعرض الإنسان لموقف صعب أو مشكلة ما، فإن أول ما يخطر بباله من تساؤلات: ( كيف يمكن أن أتخلص من هذه المشكلة؟ ومن هو الشخص المناسب الذي أستطيع أن ألجأ إليه؟ )، وعادة ما يلجأ الإنسان إلى شخص حكيم من بين الذين يعرفهم أو يتخذهم قدوة، والحكمة المرجوَّه تختلف بإختلاف المواقف التي يُحتَاج فيها إلى النصيحة، فعندما يتعلق الأمر بالحلال والحرام والعبادات مثلاً، يكون الشخص المناسب هو رجل الدين، أما عندما يتعلق الموقف بالأمور المهنية أو الحياتية، فعلى الأرجح يلجأ الإنسان إلى أنجح مدير أو موظف مرموق حتى يحصل على أفضل نصيحة أو معلومة من ذوي الخبرات والتجارب في المجال نفسه. وقس على ذلك المواقف الأخرى التي من الممكن أن تواجهك، فلكل مكان مقال، ولكل مقال رجال.

التاريخ والخبرة أثبتوا أن النصيحة تكون في محلها وتأتي بنتائج مذهلة عندما تُطلب من مُختصِّيها، لكن عندما تُطلب النصيحة من غيرهم… تكون العواقب وخيمة والنتائج مزرية، وهذا مع الأسف ما يحدث تماماً في وقتنا الحاضر. فالكل يتكلم في كل شيء دون أدنى إدراك لما يُقال ودون أدنى شعور بالمسئولية لما يمكن أن يحدث إزاء هذه النصائح التي تُطلب من أيٍّ كان، فالصمت أفضل من النطق بما لا نعلم، وتحويل السائل إلى مختص عنده الجواب الذي يناسب الموقف والزمان أفضل من الإجتهاد العشوائي.

سأدخل في صلب الموضوع، قضية النصيحة أو المعلومة الخاطئة يمكن أن تُغفر عندما تخرج من غير رجال الدين، ولكنها لا تُقبَل عندما تخرج من ورثة الأنبياء وحملة راية العلم ومرافق رحمة المسلمين، فطبقة العلماء والوعَّاظ حساسه وحرجه، ومن أراد الإنتماء لها ولبس لباسها وتكلم لغتها، لابد له أن يكون أهلاً لذلك، والظاهر للعيان خلاف ما يجب أن يكون، فالنفور والإبتعاد عن هذه الطبقة هو السائد في زماننا، بسبب الفتاوى الغير منطقية والتي لا تصلح للتطبيق أصلاً، في الوقت الذي يكون الأمر فيه سعة ورحمة.

هناك أخطاء متفاوتة، منها ما يُقبَل ومنها ما لا يمكن أن يُتَصوَّر، فعندما أسمع أخطاء علماء ودعاة أدت بتطليق رجل من زوجته وفقد آخر لعلمه بسبب فتوى حرمت عمله في الوقت الذي كان يوجد فيه رأيٌ آخر مُعتَبر يُبقي الرجل مع زوجته ويُبقي الآخر في عمله… أتأثر سلباً وأتضايق، كما أشعر أن الدنيا أصبحت لا تُطاق.

روي أنَّ الإمام “أحمد بن حنبل” رحمه الله، إمام أهل السنة والجماعة، جاءه رجل يستفتيه في مسألة ما، فكان جواب الإمام بعدم الجواز، فضاق صدر السائل، وأعاد السؤال على الإمام مُناشداً إياه تفهم الموقف، ولكن الإمام أعاد عليه نفس الجواب، فحزن الرجل حزناً شديداً، فأشفق عليه الإمام وقال له: هذا رأيي، ولكن إذهب فاستفتي فلاناً، فإني قد سمعت أن له رأياً يخالف رأيي في هذه المسألة، ففرح الرجل وحمد الله وأثنى على الإمام، وإنطلق ووجهه ملئه الخير والعرفان.

الشاهد من القصة أنه رغم أن الحق والصواب كان في رأي الإمام أحمد حسبما كان يعتقد، إلا أنه لم يدَّعي أن هذا هو الحق الوحيد وأن الصواب في رأيه فقط! ولم يُقصي آراء علماء زمانه ويُخطئهم ما دام في الأمر سعة.

لا نقبل بأخطاء وتعصبات العلماء التي تَـئِـد المجتمع الإسلامي وتعيده إلى الخلف وتُنزل به في القاع تحت مظلة الشريعة والدين، في الوقت الذي أصبح فيه المسلم العامِّي يفقه في أمور دينه المستجدة والعصرية أكثر من علماءه ومرجعياته، لماذا هذا اللعب بكتاب الله ونصوصه؟ لماذا نسمح لرجل يعتقد واهماً أنه من أهل الذكر بالإفتاء في أمور أرزاق المسلمين وأعمالهم؟ في الوقت الذي يرفض هو نفسه فكرة العمل بحجة التفرغ لطلب العلم، والأقبح من ذلك، أنه يرضى بالعيش على أموال زكاة المسلمين وصدقاتهم، ويرضى لنفسه إستخدام لحيته وثوبه القصير في إخفاء فشله، ويسرد لك القصص ويستشهد بالأثر من مواقف السلف والتابعين ليُثبت صحة ما يفعل، ونسي هذا المسكين أنه لا يوجد الآن بيت مال للمسلمين يُنفَق منه على العلم والعلماء، هل يصلح هذا لإستفتاءه بأمور الرعية؟

أود الإشارة إلى أنَّ علماء المسلمين مُطالبون بإتقاء الله في فتواهم، ولكن العامِّي المسلم أيضاً مُطالب بتحري العلماء الثقات، فهو مسئول أمام الله من يسأل، لاحظ موقف الإمام أحمد رحمه الله كيف يُقوّي وثاق المجتمع الإسلامي، فالإفتاء هو إحساس بالمسلمين وتوقيع بالنيابة عن الله سبحانه وتعالى الرحيم، فالله لم يخلقنا ليُعذبنا، بل خلقنا لنعبده وحده مُخلصين له الدين، ولنستخلفه في الأرض ونُعمرها، وهذا لا يتسنى إلا بتقوى الله ورحمة بعضنا لبعض، أما لَيّ أعناق النصوص الشرعية وثنيها وتحجير مُرادها، سيُفقد الإسلام معناه الشرعي والعالمي، كما سيُفقده القدرة على إستيعاب الخليقة بإختلاف أحوالها وأعرافها.

في الحقيقة، أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور “سلمان بن فهد العودة” على إبداعه الفكري في برنامج “حجر الزاوية” الذي بثته قناة الـ MBC خلال شهر رمضان المبارك، وخصوصاً الحلقة الأخيرة التي دعا فيها علماء المسلمين إلى المراجعات الشرعية لما يوافق مستجدات الأمة الإسلامية الحديثة، كما أود أن أشكره على مراجعاته التي قام بها فيما يخص آراءه التي كان قد تبنَّاها سابقاً في كثير من القضايا المهمة والحرجة للمجتمع الإسلامي، وللتواصل مع كتابات الشيخ وإجتهاداته، يمكنك عزيزي القارئ زيارة موقعه الإلكتروني: ( الإسلام اليومwww.islamtoday.net ).

وعلى صعيدٍ آخر، فرحت كثيراً بمقالة الشيخ “عبدالوهاب الطريري” المنشورة في الطبعة السعودية لجريدة الحياة اليومية بعنوان ( إنه يُحب الله ورسوله ) بتاريخ 28/09/2008م، والتي دعا فيها من خلال الإقتداء بالمواقف النبوية الشريفة إلى عدم إقصاء طبقات المجتمع الإسلامي لأخطاء إقترفوها أو آراء تبنوها، كما حث على مراعاة النواحي الإيجابية في نفوس المسلمين، لأنها ستُعين على زيادتها وتوسيع مساحات الخير فيها. وأكد الشيخ على ضرورة مساعدة المسلمين على تخطي محنهم وأخطائهم، وحتى إن كان ذلك الخطأ كبيراً… فيجب التعامل مع الخطأ فقط دون إقصاء المسلم كاملاً.

فلا ينبغي أن ننتظر خطأ المسلمين للإنتقام منهم، فالإسلام ليس مُتعطشاً لإقامة الحدود، وقصة الصحابي “ماعز بن مالك” والمرأة “الغامدية” رضي الله عنهم خير دليل على ذلك، عندما إعترفوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجريمة الزنا وهم مُحصنين، ومع ذلك ردهم رسول الله ولم يُقم عليهم الحد مباشرة وأمرهم بالتوبة إلى الله، إلى أن أصرّوا هم على العودة لقيام الحد عليهم، هكذا هو دين المسلمين، رحمة ومغفرة وتعاون على الخير، فكن عزيزي القارئ عوناً لإخوانك ودلَّهم على الخير.

 

رأيان حول “الفتوى مِمَن؟”

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    اشكر لك البحث في هذا الموضوع .

    لم يكن لنا ثقافه دينيه صحيحه الا بعد ان انعم الله علينافي

    المقابلات والندوات الدينيه على الفضائياتهم ..

    هؤلاء هم اهل الذكر الحقيقين .وتثقيف أنفسنا( بالقرأن والسيره

    النبويه ).

    وكنا نصدق كل ما يقال وما نسمعه ولكن اكتشفنا أننا كنا

    نعيش في ظلام وضياع وأحكام غالطه منافيه للدين الاسلامي أما الان

    لقد نور الله قلوبنا وعقولنا وانقشع الظلام وبان الحق وأخفي

    الباطل .أتمنى أن يمنعوا الدخلاء على الدين الحنيف في تماديهم

    بالعبث في عقول الناس الضعفاء .وانقاذهم من الغرق في بحور الظلام .

    رد
  2. A concern I have is that muslims these days are not willing to go through any kind of hardship for their religion. The minute a muslim faces any kind of difficulty rushes to a scholar asking if there is a way out. This is especially important in the west which is most commonly called “The fiqh of minorities”. I am not suggesting that one should bear the hardship when there is an easier way, but I am suggesting that you may not be 100% comfortable and afterall this is dunya which is the home of effort and hard work and NOT the home of rewards. Therefore, and for example, if Riba is haram, then it’s haram and I don’t go looking for other names for it claiming that there is a lot of benefit especially to those living in the west and therefore a new fiqh is needed tailored to their situation. We need to be smart as we invest for the hereafter and playing such games will only lead us astray. I agree with Mr. Hussein that we need to choose the scholar whome we seek advice from who is hopefully only driven by Allah’s taqwa.

    رد

أضف تعليق