آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه

|

حسين يونس

ذات يوم دخل رجل على الإمام أبى حنيفة رحمه الله في مجلس علم وكانت تبدو عليه سمات الوقار والهيبة لدرجة أنَّ أبو حنيفة ضم قدميه إحتراماً للرجل وكان رحمه الله قد تقدم في العمر ولا يستطيع ضمهما، وبعد طول صمت تحدث الرجل وقال: يا أبا حنيفة متى يفطر الصائم!؟ قال: عند غروب الشمس، فقال الرجل: وإن لم تغرب الشمس؟ فابتسم أبو حنيفة وقال: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه! وكان يظن رحمه الله أنه من أهل العلم بناء على هيئته الظاهرة وصمته الطويل. قصة ظريفة أصبح يُستأنس بها عندما يراد التعبير عن خداع المظهر والهيبة الزائفة التي لا تعكس حقيقة الجوهر والجهل الذي قد يعانيه إنسان ما محسوب على أهل الحل والعقد.

وهذا بالضبط ما حدث معي أثناء وجود الرئيس الفلسطيني الراحل « محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني » الملقب حركياً بـ « ياسر عرفات » عندما كان يرافقه الرئيس الفلسطيني الحالي « محمود عباس » والذي كان أنذاك يشغل منصب عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم رئيس وزراء السلطة الفلسطينية. فقد كنت معجباً بشخصية « محمود عباس » الذي كان يُكثر من الصمت ويتحرك بفخامة وهدوء، كما كان يُحسن استخدام عينيه في نظرات حادة تدل على قبوله أو رفضه دون أن ينطق بكلمة، هذا كله كوَّن له هيبة في الأوساط السياسية وفي نظري أيضاً، ونظراً لحصولة على درجة الدكتوراه في تاريخ الصهيونية من كلية الدراسات الشرقية في موسكو، فقد كنت أرغب أن يتمكن « محمود عباس » من قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهذا ما حدث بالفعل عندما بدأ الرئيس الراحل بالإحتضار في فرنسا التي قبلت علاجه على أراضيها، أذكر إلى الآن منظر « محمود عباس » وهو ينزل من سيارته للقاء « ياسر عرفات » في المستشفى، كان يمشي بهيبة وهدوء كاملين.

لحظات أثرت في نفسي، فأنا من الفلسطينيين الذين يرغبون بشدة أن يحكمنا عقلاؤنا، الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب الأرض التي تفتقد للحكماء والراشدين، للأسف ومع كل الأسف أقولها وقلبي كله أسى أننا لا نملك أكابر في قومنا، ولعل ذلك يعود إلى الإحتلال والتشريد والجهل الكبير الذي سبق فترة الإحتلال من جهة، والطبيعة الجينية للإنسان الفلسطيني التي تؤثر في نفسه من جهة أخرى ولا تمكنه من التحكم بأقواله وأفعاله، فالحالة النفسية الهائجة والغير متزنة تجعله دائماً يلجأ لرفع الصوت واستخدام القوة في فضِّ الخلافات والنزاعات عِوضاً عن اللجوء للحكمة واستخدام العقل، هذه كلها أمور سلبية توارثها الإنسان الفلسطيني جينياً ونفسياً حتى أضحت جزءاً أساسياً في ثقافته وتعاملاته اليومية، فالفلسطينيون يفضلون الشتات على أن يحكمهم قائد، وهم لا يستطيعون أن يكونوا تابعين، بل يفضلون المناصب القيادية حتى وإن لم يستحقوها، ولذلك لن تعود فلسطين فضلاً أن تتوحد فصائلها.

في الحقيقة عزيزي القارئ الحالة الفلسطينية التحليلية من نظرة علم الإجتماع ليست موضوعي اليوم، ولكن موضوعي هو أنَّ « محمود عباس » قد فشل عندما نطق أو كلمة وتقلد منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، فحاله كحال الرجل الذي سأل أبا حنيفة عن أمر قدري لا يمكن حدوثه كبقاء الشمس في السماء وعدم غروبها، وهكذا جاء « محمود عباس » ليُخبر الفلسطينيين عن أمر آخر يُخالف القدر، وهو أنَّ الإحتلال باق ولن يزول. لم يفقه سائل أبى حنيفة أنه من البديهي أن تغيب الشمس، ولم يفقه الرئيس الموقر أنه من البديهي أن يزول الإحتلال.

عندما تولى الرئيس الأمريكي الأسود باراك أوباما مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، غضب عقلاء المنظمات التي تدافع عن حقوق السود أشد الغضب، وقالوا هذا ليس في صالحنا ولن يحل مشكلة العنصرية المتجذرة في نفوس بيض الولايات المتحدة، وبهذا التنصيب تمكن البيض من إخراسنا إلى الأبد، بالمقابل إن ظهرت أي حادثة عنصرية جديدة فلن يُعيرها أحد أي إنتباه … الجواب معروف … يكفيهم أن الرئيس أسود وهذا دليل أنه لا وجود للعنصرية، وهذا بالضبط ما قام به الإسرائليون، قاموا بمنح منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد – بزعمهم – سلطة شكليه في بعض أراضي الـ 67 لإخراسهم إلى الأبد والتفرغ لما هو أهم … بناء المستوطنات وتهويد القدس، وهم بذلك لم يُخرسوا فقط منظمة التحرير … بل أخرسوا حتى الفلسطينيين والعالم كله، وتحول النزاع من « فلسطيني – إسرائيلي » إلى النزاع « حمساوي – فتحاوي » وأبناء قومي هم الأذكى طبعاً، يكفيه شرفاً الرئيس الراحل « ياسر عرفات » رغم كل ما عليه، أنه لم يقتتل مع حركة حماس ولا مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، فقد استطاع وبكل جدارة إدارة الأوضاع وقتها دون إراقة للدماء، أما الآن … فقد آن للفلسطينيين أن يجدوا من هو أفضل، أو بعبارة أخرى … آن للفلسطينيين أن يمدوا أرجلهم.

ختاماً عزيزي القارئ أتساءل، ماذا لو كان لشخصية مثل « فاروق القدومي » رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين سر حركة فتح – وهو شخصية معروفة بثقلها السياسي في الساحة الفلسطينية – قد وقَّع على إتفاقية أوسلو المشئومة ودخل إلى أراضي الضفة الغربية، يا ترى هل سيكون هناك أي وجود للرئيس « محمود عباس » سياسياً؟

 

أضف تعليق